الرجال الشرقيون عادة ــ و خاصة العرب منهم ــ نادرا ما يبكون ، وعندما يفعلون ذلك فلابد أن كرامتهم قد دُست وطعنت بشدة وتمرغت بضراوة في وحل الإذلال من قبل رجال السلطة و الأمن أو السجُانين الغليظين والبدائيين الفظيعين ..
و قد رأينا الدكتور والمفكر الاقتصادي و نائب البنك المركزي العراقي مظهر محمد صالح أثناء تصرّيحه للإعلام ــ بعد الإفراج عنه ــ كيف تدمعت عيناه مرتين ببكاء صامت وبزخم من مشاعر جياشة و فياضة بالمرارة والخيبة الشديدتين ، ربما بدافع الشعور بالمهانة و الإذلال وامتهان الكرامة ، وهو الرجل المسّن أولا والمفكر و الخبير الاقتصادي القيّم و المهم ثانيا ، والذي يُعد ــ إلى جانب أمثاله من العقول العلمية ــ و ثروة وطنية ، حيث يستدعي الأمر الاعتزاز به ، مع كل أنواع التثمين والتقدير في الوقت نفسه وحيث خدم بلده طويلا ، بدلا من اعتقاله التعسفي وزجه في عتمة السجون بكل استهانة واستسخاف ، ضربا لعرض الحائط بكل تلك الاعتبارات الأنفة الذكر ، كتعبير واضح على عدم وجود أي اعتبار لأي كان و لا حرمة و لا كرامة للإنسان في العراق " الجديد " كأنما امتدادا لتعسف وقمع النظام السابق !..
بينما كان من الممكن استجواب السيد مظهر محمد صالح وإجراء تحقيقات معه على ذمة القضية وهو مطلق السراح ، أو جعله يدفع كفالة بمبالغ كبيرة لحين صدور الحكم عليه بالبراءة أو بالإدانة ، ولا سيما أن الرجل لم يهرب ، مع أنه كان بإمكانه أن يفعل ذلك لو شاء و أراد ..
ففي النهاية : أن السيد مظهر محمد صالح لم يقم بعملية إرهابية ، ولا قتل أحدا لا عمدا ولا سهوا ، ولا قام بعملية سطو مسلح على البنوك ، ولا اختلس أموالا طائلة بملايين الدولارات ، مثلما فعل مشعان الركاض وغيره ــ دون أن يُعتقل ــ على الرغم من مجيئه إلى العراق ــ فلماذا هذا الاستعجال والعجالة في اعتقال هذا الرجل المسّن والنشط المجد فورا و حالا ، وكأنه أكبر وأخطر مجرم في العراق ؟!..
لماذا ؟!..
سألنا لتوا .....
لأن العراق يمر الآن في مرحلة جديدة وإضافية من زمن الأوغاد و الأوباش ، حيث لا خجل ولا حياء ــ مثلما عبر عن ذلك ذات مرة نائب رئيس الجمهورية السابق السيد عادل عبد المهدي ، فخجل هو منسحبا بسرعة من معمعة هذه المهزلة والمسخرة ، لربما كونه كان زال محتفظا ببقايا خجل ..
أما الباقون فأنهم فقدوا أخر قطرة متبقية !..
يقينا : لو كان السيد مظهر متورطا بعملية إرهابية فعلية وكبيرة لما كان سيُعتقل هكذا على وجه السرعة ، بل : لو كان متورطا بعملية اختلاس كبيرة ومعه بعض في الحكومة أو البرلمان لما كان سيُعتقل بهذه العجالة الخارقة !! ، ربما تركوه ليهرب مثلما فعلوا مع عشرات من لصوص العراق الكبار الحاليين من أمثال مشعان والسوداني و أيهم و شعلان وغيرهم ..
حقيقة : نحن لا نكتب هذه السطور لكوننا مستغربين من حدوث مثل ، هذه الأمور الشنيعة و الفظيعة في عراق اليوم ، لا أبدا ، أنما لنؤكد لبعض الواهمين أو المرتزقة الواهنين أو للمتطوعين "العقائديين " الخانعين الذين يدافعون عن هذا السياسي " القائد " أو ذاك : إلى درك أسفل و حضيض هبطوا بالعراق الذي جعلوا منه مهزلة ومسخرة أمام أنظار العالم أجمع ..
مقالات اخرى للكاتب