كل يوم يطالعنا المشهد السياسي العراقي بحكاية مقعدة ، نظل ندور في فلكها حتى تنبت لنا شعرة بيضاء جديدة في رؤوسنا التي لم تعد تحتمل المزيد، اخر تلك الحكايا مسلسل اعفاء امين بغداد عبعوب من منصبه، فعلى مدى الاسبوعين الماضيين تناقلت وانشغلت وسائل الاعلام المحلية وربما العربية بخبر اقالته وتنصيب احدهم بدلا منه لتنشغل بعدها ذات وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بالتأييد او المعارضة، دون ان نلمس طحيناً ,, او تغييراً، وحدهم الفريق الاعلامي لدى الامانة والمكلف بتوزيع البيانات الصحفية عبر الايميل، من اكلوها وذاقوا مرارتها وهم يصرحون مرة وينفون مرة اخرى، في بعض الاحيان يأتيك خبر الاعفاء صباحاً ليجري نفيه مساءاً وبين هذا وذاك كان لابد ان نزيد التفحص ونتمعن المشهد ونشغل ( الجمجمة) مثلما يقول اخوتنا المصريين لمعرفة الحقيقية ونتبين رأس الخيط، خاصة بعد ان استبشر الشارع العراقي بقرار رئيس الوزراء العراقي تنصيب امينة لبغداد ، هي السيدة ذكرى علوش العبايجي بعد اكثر من نصف قرن على تولي اخر سيدة عراقية لهذا المنصب. لكن الفرحة لم تتم بعد ان عاد علينا امين بغداد( عبعوب) وعبر شاشات التلفاز ليبشرنا بأنه باق، وان قرار اعفاءه جرى التريث به، لتعود ريمة لعادتها القديمة، والسبب كما اوضح لنا عبعوب نفسه و(بعظمة لسانه) هي التوافقات السياسية ، والاتفاقات المسبقة، اضافة الى الصيغة التي ورد بها الامر الديواني الخاص بقرار الاعفاء، كونه لم يتضمن الاشارة الى مهمة الاخير بتسلم منصب الوكيل البلدي لامانة بغداد كما كان قبلا، وهذا يعني ان السيدة ذكرى من حيث حزمت حقائبها واستعدت لاداء مهمتها عليها الانتظار حتى يجري البت بأمر تلك التوافقات، التي بدات فكرة ثم استحالت واقعا اسوداً وغدت قيداً يكاد يبطل مفعول اي مبادرة جديدة للاصلاح،
فاي مهمة للتصحيح ستتعثر بذات المشكلة، مشكلة التوافقات التي اريد منها ارضاء كل الاطراف المتنازعة على حكم الشعب عدا الشعب نفسه...!.
واعود لمن باركوا خبر تنصيب امرأة هذه المرة لمنصب امين بغداد، فان جل تبريكاتهم تأتي لانهم يأسوا من حكم الرجال، خاصة في موضوعة عودة النظافة لبغداد ، وتحسين الخدمات فيها، وهم بذلك يستذكرون دور المرأة على مر العصور بتوليها امر نظافة الدار وخدمة العيال، وتربية الاجيال، وهذا امر مفروغ منه، اما من شكك بقدرات امرأة على حل مشكلة لم يقدر الرجال قبلها على حلها فسأحيلهم الى مقولة شهيرة ومعروفة هي ( مايجيبها الا نسوانها)..فما بالك وان نسوانها هذه المرة واقصد السيدة ذكرى تتمتع بأمتيازات ليس اولها انها تحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية ولا اخرها اشرافها على مشاريع مهمة بحكم وظيفتها كمدير عام للمشاريع في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
الكرة الان في ملعب رئيس الوزراء حيدر العبادي ليحسم الموقف، اما ان يمضي بخطواته في مواجهة تحديات تلك التوافقات وضغوطات الاحزاب والكتل الكبيرة في سبيل التغيير الحقيقي وفسح المجال للكفاءات و لنون النسوة على وجه الخصوص ، في ان تشغل منصباً مهماً بعيدا عن اي تأثيرات، وفي هذه الحالة ستحسب له موقفا شجاعاً في التمكن من عبور اي ازمة اخرى مشابهة وربما اصعب، او ان تجري الرياح بما تعودت ان تجري عليه في العراق ونكون خاضعين هذه المرة لليأس اكثر والانشغال عوضا عنه بالبحث عن صبغة شعر ممتازة تستطيع ان تداري شيب شعورنا في بلاد العجائب!
مقالات اخرى للكاتب