كانت أناملهُ القوية ترتعش قبل أن يعتزم على رسم طرقات خافتة على باب غرفة الطبيب الخفر في ذلك اليوم الخريفي الكئيب. راحت نظراتة المرتبكة تستديرُ ذات اليمين وذات الشمال و أنفاسهُ تتلاحق بشدة كمخلوق شارف على الرحيل الى عالمٍ آخر. ظلت أفكارهُ تحوم في فضاءٍ مفتوح يتسائلُ مع ذاته في حياءٍ ” كيف سأصارح الطبيب؟ كيف سأشرحُ له حالتي المربكة؟ هل سيسخر مني أم يعاملني كجسدٍ بلا روح؟ ” . نشأته المحافظة أرسلت إشارات الى ذهنه المرهق تحفزه على الهروب وعدم كشف عورتهِ أمام أي مخلوق في هذا الكون. أراد ألأنهزام , قرر أن يتحمل ألألم على أن يظهر عورته أمام مخلوقٍ غريب – وإن كان فحلاً مثله- بَيْدَ أن هناك صوتاً آخر إنطلق من أعماقِ وجودة يسخر منه ومن حيائهِ غير المبرر. تذكر كلمات مقدسة ظهرت الى عالمِ قلقهِ الكبير – ولا على المريضِ حرج- أعادت له طيفاً من طمأنينة كان هو في أشد الحاجةِ إليها في تلك اللحظات العصيبة. بلا تردد راح يضرب باب غرفة الطبيب بقوة. تهاوى الى سمعه صوت رقيق ينطلق من وراء الجدران. ” تفضل ” .. هي الكلمة الوحيدة التي دخلت أذنيه. وقف قرب الباب بعد أن أوصده دونه. ” عفواً أين الطبيب الخفر؟” . كانت هناك مخلوقة أنثوية فاتنة كأنها عروس بردائها الناصع البياض. إرتسمت على شفتيها الرقيقتين أجمل إبتسامة خلقها الله على وجه إمرأة. ” تفضل..ماذا عندك؟ أنا الطبيبة الخفر..الطبيب ألأخر ذهب في مهمةٍ رسمية وسيعود لاحقاً ..أنا في مكانهِ..هل أستطيع أن أقدم لك أي خدمة؟” . إتسعت عيناه كأنه أصيب بمرض لايمكن الشفاء منه أبداً. راحت حبات العرق البارد تتساقط من جبينه لترسم أعظم صورة حياء في هذا الكون. تسارعت نبضات قلبه وإرتعشت جميع مفاصلة لدرجة أنه نسي القضية التي جاء من أجلها. دوامات من صراع كبير عصفت بروحه . كان كل شيء في أعماق شرايينه ينتفض يصرخ يثور ” ..واويلتاه..هل من الممكن أن يحدث هذا معي؟ هل ستكشف علي إمرأة ؟ أي عارٍ هذا وأنا الفحل القادم من أعماق ألأرض البعيدة؟ هل هذا كابوسٌ أتخبط فيه أم حقيقةٌ مرة؟ . كيف سأحدثها عن مرضي وألمي الذي أقظ مضجعي؟” .كانت الطبيبة تتأمل قامته من قمةِ رأسهِ حتى أخمص قدميه. عرفت أنه يمر في أزمةٍ رجولية حادة ..يحتاج الى مساعدة لجلاء هذا الوهم الكبير الذي يتخبط فيه ألآن.
لقد مرت عليها حالات مشابه كثيرة كحالة هذا الفحل المسكين. كانت كأنها تجول في كل زاوية من زوايا ذهنهِ الملبد بأفكار عشائرية وإجتماعية . نهضت الطبيبة الفاتنة بهدوءٍ تام. تقدمت نحوه بثقةٍ عالية. وقفت قربه قائلة ” ..تفضل على سرير الفحص؟ ” . صرخ بصوت مرتبك ” ..ماذا هل ستفحصينني أنتِ؟ أريد رجلا يفحصني؟ لاأسمح لأمرأة أن تعرف سر مرضي.” . ضحكت الطبيبة بصوت باهت كأنه سمفونية جاءت من خلف الريح عند التلال البعيدة. قالت بصوت ساحر ” إسمع ..أنت ألأن في غرفة المعاينه ولست في غرفةِ حريم .. سأتعامل معك كأنك بلا روح مجرد جسد جاء للتشريح. إذا كنت تشعر بألم في أعضاؤك السرية فهذا هو من إختصاص عملي. إخلع ملابسك وإستلقِ على هذا السرير المخصص للفحص . لا اريد كلاماً آخر. لن يستغرق الفحص إلا دقائق معدودة . ” سحبته من يده كأنه طفل في مرحلة الدراسة ألأبتدائية. إستسلم الى ألأمر الواقع ونام على السرير. وضعت الطبيبة الجميلة قفازاً أزرقاً . راحت تفحص بطريقةٍ إحترافية كأنها تتعامل مع قطعة من جليد في يوم مكفهر. كان جسده يرتعش كجسدِ طير صغير أوشك على أن يلفظ أنفاسه ألأخيرة. كلما إقتربت أناملها من بقعةٍ معينة كلما إزداد صراخه من ألم شديد. كانت تدق بأناملها على بقعٍ معينة من مناطق جسده المختلفة. كانت بارعة حقا. فجأة أعادت ملابسة بيدها السريعة الى مواضعها ألأولى وقالت ” ..إنتهى الفحص ..رتب ملابسك وتعال لنتحدث بعض الشيء” . شعر أنه يعود الى الحياة من جديد ..لا ..لا.. شعر أن عذريته قد تمزقت بيد تلك المرأة التي نطلق عليها – الطبيبة-. أحس أن رجولته راحت الى ألأبد. كيف يكون هذا؟ . راحت الطبيبة تخط كلمات بقلمها بصوتٍ مسموع وهو يجلس على كرسي أمامها ونظراته الى ألأرض كعذراء أنتهكت عذريتها بعنف قبل الزفاف. كان يمسح حبات العرق المتجمعة على جبينه بأرتباكٍ شديد. رفعت الطبيبة عينيها اليه بشفقة قائلة ” هل مارست المحرمات مع بنات الهوى من قبل؟..حالتك مزرية وعليك أن تلتزم بكل التعليمات التي سأقولها إليك.” أطرق عينيهِ الى ألأرض وأعترف لها بكل شيء مشين كان قد أرتكبه في ألأسابيع القليلة الماضية. سلمتهُ ورقة الدواء وطلبت منه الحضور مرة أخرى بعد أسبوع من ألآن. نهض بتثاقل وقبل ان يخرج من الباب إلتفت إليها قائلاً ” أشكرك ..سأعود بعد أسبوع″ . نظرت الطبية الى ساعتها وصرخت بصوتٍ مكتوم ” ياإلهي لقد إنتهى واجبي قبل نصف ساعة” . حملت حقيبتها ألأنيقة وخرجت من الغرفة وهي تدندن بأغنية تحبها كثيراً.
مقالات اخرى للكاتب