كان لي جار اسمه عندول فقد أباه مبكرا واصبح يتيما واخوته. لم يبق حينها لبيت آلبو عندول ما يعينهم سوى معاش المرحوم.
الحاجة ام عندول كانت امرأة مستورة ونادرة عرفت كيف تربي ابناءها على العمل والاعتماد على النفس, بالرغم من أنهم كانوا يعانون مرض السمنة المفرطة. فعندول سمين جداً ومترهل لا يقوى على حمل بدنه, ولعل هذا هو سبب اطلاق لقب عندول عليه فاسمه الحقيقي حامد.
كان عندول يسمع لكلام امه ويطبق اوامرها بكل ممنونية، ويعمل بعد المدرسة صانعاً في محل الحاج رضا للمواد الغذائية. اما انا فكنت على العكس منه تماماً، مشاكساً لا أنفذ طلبات أمي الا بعد التهديد والوعيد بعصا السيد الوالد. اقضي وقتي باللعب في الشارع او الجلوس امام التلفاز لمتابعة افلام الكارتون، ولا تمر ساعة الا وتشاجرت فيها مع اخوتي في البيت. سلوكي الاتكالي جعل أمي تعيّرني كل يوم بجارنا البدين, كانت تقول لي "لو بيك خير صرت مثل عندول" على الرغم من أنه كان دميم الخلقة وبدينا, لكنها تقصد شطارته في العمل وندارته في الحياة.
ما زلت أتذكر عندولاً هذا كلما كبوت في حياتي لأردد مع نفسي مقولة امي "لو بيك خير صرت مثل عندول" وأتذكره ايضاً كلما سمعتُ عربياً يشتم حاكم قطر. اي نعم حاكم قطر البدين لا غيره. هذا الرجل يشبه جارنا عندول كثيراً فهو بالاضافة الى بدانته, حاكم لبلد صغير يتيم التاريخ, معدوم الحضارة لا يشبه حُسن مصر والعراق وسورية. لكنه نادر وشاطر و"اخو اخيته". جعل من بلده المجهري قوة كبرى يهابها اعتق بلدان المنطقة، بنى وعمّر وجعل من الأجانب خدماً لمواطنيه ووضع يده بيد أكبر قوة في العالم، أميركا. نشيط أمير قطر هذا وعلى الصعد, السياسية, الاقتصادية, الإعلامية, حتى في الرياضة وضع بلده رقما صعبا وراح يشتري الأندية الأوروبية والمسابقات العالمية. هذا كله من اجل ان يرفع من سمعة بلده ويجعلها في مصاف دول العالم المتقدم.
قد يعترضني بعضهم بأن عندول قطر اشترى كل شيء بماله! فأقول نعم وما العيب في ذلك؟ وما فائدة المال ان لم نشتر به ما يرفع سمعة بلدنا؟ لماذا خلق الله النفط اذن؟ لشراء السلاح وخوض الحروب, أم لبناء البلدان وإسعاد الشعوب؟ ولماذا انتم حانقون لهذا الحد على قطر وشيخها؟ هل لأنه يقيم علاقات مع اسرائيل؟! عجبا ومن منكم من لم يفعل ذلك سراً او علناً؟ هل لأنه يتدخل في شؤون غيره ويسهم في اسقاط الأنظمة؟ طيب ومن منكم لا يتمنى ذلك، ولا يترقب الفرصة لإسقاط غيره؟! ثم ما يضركم ان كان قد اعان الشعوب على الإطاحة بطواغيتها, أليست هذه هي ارادة الشعوب نفسها؟ ألم يستعن العراقيون بأميركا للإطاحة بصدام؟ والليبيون، والمصريون، والسوريون ألم يتوسلوا بالناتو لإنقاذهم من أنظمتهم الجائرة؟!
ربما ستقولون لي بأنه يتدخل الآن في رسم شكل حكومات ما بعد التغيير! نعم هذا صحيح, ولكن هل هذا ذنبه؟ وهل أجبركم على اختيار مرسي، الغنوشي، المقريف والمالكي؟! أم أنتم ذهبتم بمحض اراداتكم لتدلوا بأصواتكم لصالح هؤلاء؟ فلماذا تعرضون بلدانكم للبيع وتلومون من يشتري؟ ان شتمكم لأمير قطر غير مبرر بل هو أمر غريب والأغرب من ذلك شتمكم لزوجته الشيخة موزة, التي الى الآن لا أدري لماذا تشتمونها؟ ولماذا تسخرون من اسمها مع ان الموز "نعمة الله"؟! صارحوني هل يذكركم الموز بشيء تخافونه؟ أم أن شكله يشبه القازوق الذي دق في أسفلكم ولا تستطيعون الخلاص منه؟ القازوق انتم من دققتموه وبمحض اراداتكم يا أرباب التاريخ العريق والحضارات المجيدة أنتم لا غيركم، فكفاكم شتيمة ولا تبلوا الناس بأفعالكم.
اسمعوها جيداً قطر اصبحت رقماً صعباً في المعادلة، وقطباً يشتري ودّها الآخرون وهي في طريقها للخروج من حفرة العالم الثالث، اما انتم فستبقون قابعين فيها تأكلون تاريخاً وتتريعون حضارة.. ولو بيكم خير صرتوا مثل عندول.
مقالات اخرى للكاتب