بعد اعلان داعش عن احتلالها لمدينة الموصل قبل عشرة ايام ثم تمددها الى محافظات صلاح الدين و ديالى ، تتوضح معالم صور متعددة عن حقيقة ماجرى و يجري . . فداعش ليست لوحدها و انما هي رأس رمح لجماعات عراقية متنوعة و متصادمة المواقف، استغلت مطاليب الجماهير الفقيرة في مناطق السنّة و معاناتها من الفقر و الحرمان على يد رئيس مجلس الوزراء الطائفي المنتهية دورته و حكومته . .
و ضمّت الجماعات رؤساء و ابناء عشائر من ارياف و بوادي الموصل، رافضين متنوعين للعملية السياسية، تجمعات البعثيين السابقين من عسكريين و مدنيين بخبراتهم الامنية و المخابراتية و العسكرية و بنسخ الملفات الامنية في زمن الدكتاتورية التي بحوزتهم التي بدأوا باستخدامها منذ شهور لتجنيد اعداد ليست قليلة ممن تركوهم، بقوة السلاح او قتلهم ان رفضوا الانصياع لأوامرهم . . و عدد من منظماتهم الارهابية الرافعة لشعارات الاسلام و السنّة من جيش محمد و الجيش الاسلامي و الطائفة المنصورة الى حزب العودة و غيرها (1) . .
اضافة الى جيش النقشبندية الذي يقوده السئ الصيت عزت الدوري نائب الرئيس العراقي السابق و مسؤول المكتب العسكري للبعث الحاكم آنذاك، المسؤول عن شؤون الطرق الصوفية و العلاقات معها، الذي اعلن في بداية تحركه الاخير عن شجبه لإساءة الرئيس السابق صدام لإستخدام سلطته و انفراده بالحكم، في محاولة لتقييم الأعمال الإجرامية التي قاموا بها وهم في الحكم و ادّعاء شجبها و توبتهم عنها . .
و تشير مصادر مطّلعة الى ان تكوين هذه الجماعات الناشطة زوراً باسم الدين و الطائفة، بدأ منذ التسعينات في زمن الطاغية و باشارة و خطط منه، لأهداف اجرامية سياسية متنوعة للحفاظ على حكم صدام و البعث و للعودة الى السلطة في حالة فقدانه ايّاها !! و ان تسليح هذه الجماعات قد بدأ منذ سنوات من مخابئ السلاح التي أُنشئت و خُزّن فيها السلاح في زمان الدكتاتورية كإحتياطي للعودة للحكم في الحالات آنفة الذكر، السلاح الذي ازداد مؤخراً من غنائم المدن السورية و من الموصل و صلاح الدين و ديالى، اضافة الى جهات الدعم . .
و يضيف متخصصون ان الخبَرْ القتالية التي بحوزتهم اكتسبوها من معاركهم في الشيشان و افغانستان و سوريا و مشاركتهم في الصراع الطائفي السني ـ الشيعي بين 2006 و 2008 ثم ضد القوات الاميركية المتبقية قبيل انسحابها الكامل من العراق . . .
و قد اشارت مصادر في الحكومة الكوردستانية عن تحذيرها للمالكي قبل 6 شهور من ذلك الخطر و ان على الجميع التأهب الجاد لمواجهته، الاّ ان السيد المالكي لم يكترث بها مهدداً باستخدامه القوة لإنهائها و انه قادر و لن يسمح و لن و لن . . ؟؟ الامر الذي ترى فيه اوساط متزايدة بعدما حدث بكونه سبب كافي لتنحي المالكي عن رئاسة الوزراء و الكف عن جهوده للتشبث بدورة ثالثة للبقاء على كرسي رئاسة الوزراء . .
و ترى اوساط واسعة ان مايجري في المناطق الغربية ـ الشمالية من المحافظات ذات الغالبية السنيّة، و دخول داعش الارهابية هذا الدخول الهمجي على الاوضاع، صحبة منظمات مشابهة جرى المرور عليها آنفا . . لم يكن الاّ نتيجة للحكم الطائفي الفردي الذي مارسه رئيس مجلس الوزراء طيلة اكثر من تسع سنوات متواصلة لدورتيه والفراغ بينهما . . اساء فيها استخدام نظام المحاصصة(2) الذي كان من المفروض ان يعمل على تطويره و تحسينة بداية كوسيلة، لتحقيق التوافق الوطني وصولاً الى استنفاذ العمل به ـ بنظام المحاصصة ـ .
و نتيجة لعدم اهتمامه بالآراء المخلصة التي نبّهت و باوقات مبكرة الى خطورة مايجري في حكم و عملية سياسية و نتائجه، اضافة الى انشغاله و كتلته و الكتل الحاكمة الاخرى بحساب الغنائم التي يجنوها من مواقعهم الذي ادّى الى فقدان العدد الأكبر منهم لثقة حتى جماهيره، اضافة الى تصرف المالكي بالعديد من الملفات بالسكوت عن محاسبة المذنبين و باستخدامها للضغط على افراد للسير وفق مشيئته هو، و تسلمه كل قيادات القوات المسلحة و الأمنية و الخاصة و حصرها بيده و التصرف بها منفرداً و اعتماده على عائلته و مقربيه في الحكم.
فاضافة الى نجاحات تحققت، الاّ انه فشل فشلاً ذريعاً في : حماية الامن، مكافحة الفساد، بناء قوات مسلحة حديثة بعقيدة وطنية تحقق وحدة و سلامة البلاد بالدفاع عن انتمائها الى هوية الوطن بمكوناته، و مع الإنتخابات الأخيرة و الإعلان عن نتائجها و عن انتهاء دورة الحكومة و ضرورة اجتماع البرلمان لأختيار الرئيس الجديد و الحكومة الجديدة . . يستمر المالكي بمماطلاته و تجميده للامور على حالها السئ بدعوة اعلانه (حالة التأهب القصوى)، الذي لايتلائم مع كل الثغرات الخطيرة في اجهزة الحكم التي يُتطلب سدّها باسرع وقت .
في وقت تتزايد فيه المطالبات بتنحي المالكي و حكومته و الدعوة لكل القوى الفاعلة العراقية داخل و خارج العملية السياسية لعقد مؤتمر لها لتقرير، رفع قدرة و تطوير مواجهة داعش الاجرامية و الإرهاب و اعادة بناء القوات المسلحة و الامنية . . بتشكيل حكومة انقاذ و الأخذ ايضاً بنتائج الإنتخابات الأخيرة و تطعيم نتائجها دستورياً للضرورات القائمة ، حكومة تحقق الوحدة الوطنية الحقّة في البلاد بكل مكوّناتها القومية و الدينية و الطائفية على اسس الدستور، و اسس المرونة و الحوار على اساس الانتماء لهوية الوطن الواحد .
و على ذلك تزايدت المطالبات للمالكي بالتنحي، و صارت مطالبات على لسان ممثلي المرجعية الشيعية العليا في النجف و مطالبات لأغلب الكتل الحاكمة، لتتسع الى تصريحات البيت الابيض الأميركي و شروط رئيسه اوباما لأجل المشاركة في حماية العراق من الارهاب، وسط تزايد تكهنات خسارته حتى للثقة الايرانية به . .
في وقت جدد فيه المكتب الخاص بملف العراق في البرلمان الاوروبي تنديده بسياسة المالكي و اهمية اشاعة روح التعاون و الألفة بين مكونات الوطن الواحد، و ادانت فيه الحكومة الفرنسية سياسات المالكي الطائفية ضد المكون السني و حتى ضد العشائر التي ابدت استعدادها للتعاون معه، وعبّرت على لسان وزير خارجيتها عن استعدادها للمشاركة بدعم الحكومة العراقية عسكرياً ضد الإرهاب، بشروط تحقيق مصالحة وطنية داخلية حقّة، على ان تكون مشاركتها بطلب رسمي من الحكومة العراقية و بموافقة الامم المتحدة (عن وكالة فرانس برس في 21 /6 )
اخيراً فإن اوساطاُ شعبية متزايدة تلتف حول القوات المسلحة الحارس الأمين للدولة و الشعب ، بعد تطهيرها من العناصر المتخاذلة و تطعيمها بأبنائها الأكثر كفاءة من سنة و شيعة و من مسلمين و مسيحيين و غيرهم ومن عرب و كورد و باقي القوميات . . و تدعو الى المزيد من التطوع فيها على اساس تآخي مكوّنات البلد، و عدم السماح بتشكيل ميليشيات طائفية جديدة من المتطوّعين الجدد و ان يكون المتطوعون الجدد برعاية الجهات الحكومية بعد استلام الحكومة الجديدة لمهامها.
و تدعو الى اهمية المصالحة الحقيقية القومية و الدينية و المذهبية و الاشراك الفعال للمكون السنيّ في اطار الصحوات لأنه يلعب الدور الأهم في النجاح في دحر داعش الارهابية و (اخواتها)، و ابعاد المعركة عن فخّ الحرب الطائفية . . الصحوات التي رغم انها هزمت القاعدة الإرهابية شرّ هزيمة، الاّ ان حكومة المالكي بسياستها الطائفية اهملتها بعدئذ و قطعت رواتبها و مستحقاتها . .
في وقت تتزايد فيه توقعات المحللين و المتتبعين الى قرب انفصام تحالف داعش مع حليفاتها (راجع الهامش) و تصادمها بالسلاح معها لرفض الأخريات تطبيق قوانين الشريعة المتعصّبة الدموية التي تحاول داعش فرضها على الجميع و لإثارتها بسلوكياتها الفردية صراعاً طائفياً شيعياً ـ سنيّاً يتجنبه الجميع . . سواءً بتهديداتها لأضرحة أئمة آل البيت او تهديدات و دخول القرى و المدن الشيعية . . وفق مصادرهم .
مقالات اخرى للكاتب