بما إنه لا يمر يوم إلا ويذكر تنظيم " داعش" وعلى كل القنوات الفضائية وفي الصحف العربية والعالمية أعود في مقالي الإسبوعي لأكتب عنه , لأنه " مالئ الدنيا وشاغل الناس" و مـدوّخ الحكومات العربية وصولاً الى أوروبا وأمريكا . كنت في نقاش حاد مع صديق كان يستمع الى فضائيات معينة تعني وتدافع عن " الإرهاب" فكان صديقي يصـر على إن " داعـش" من صنع إيراني وطالما كنت ومن خلال قناعاتي بدحض ما يقوله نقلاً عن هذه الفضائيات لأنني أنظر الى ما وراء الأحداث وأحاول أن أسبر أغوار وأسرار هذا التنظيم الإرهابي , وبقيت مصـراً على إن ليس لإيران علاقة به ليس دفاعاً عن إيران فأنا لا ألتقي مع النظام " الثيوقراطي" القامع للحريات والكاتم على أنفاس شعبه , الى أن جاء يوماً ليكف عن ترديده بعد أن زادت جرائم هذا التنظيم وأخذ يوزع جرائمه على الجميع , والى أن جاءت " نكسة الموصل" والتي وصفها بعضهم ب " ثورة العشائر" فإذا بهذه العشائر تنصهـر في داعش و داعش لهم حاكمون وللناس قاتلون خاصة من لم يدين بدينهم وأفكارهم التكفيرية المتطرفة , هجـّروا آلاف المسيحيين – أصحاب الأرض الأصليين- دون رحمة بعد تجريدهم من ممتلكاتهم , وسلّوا سيف الإضطهاد على مكون آخر في تلك المنطقة وهم الأيزيديون فنالهم ما نالهم , جعلنا نحزن ونستنكر وغيرنا في هذا العالم المتمدن يفعل ذلك أيضاً , والحكومة العراقية عاجزة والقوات الأمنية تقتل الكثيرين وتعتقل منهم وتعلن بالأرقام ولم نعرف لحد الآن ماهية داعش ؟! أين صار التحقيق معهم ؟ لم يخرج مسؤول أمني أو مسؤول سياسي أو مسؤول دولي يقول لنا من هي داعش ! مجلس الأمـن " يحارب " داعش ويعلن الحرب عليهم ! بعضهم قال بأمريكية " داعش" وأمريكا تحاربهم وتقصفهم وتصيدهم طائراتها صيد الطيور , أوروبا ترتجف وتتوجس شراً بكل ملتحي بلحية قذرة بملابس مهلهلة وسخة بأنه " داعشي " السعودية أخيراً " " تعلـن" الحرب على الإرهاب و تقول عن داعش بأنه إرهابي ! الخليجيون يسكتون وكإن الأمـر لا يعنيهـم سواء في قطـر المتهم الأول بدعم الإرهاب مادياً وتسليحياً وحتى معنوياً وإعلامياً من خلال نشر " منجزاته " على قناة الجزيرة ! وزير الدفاع الأمـريكي هاجل ورئيس الأركان الأمريكي يحذران من إرهابه , الى هنا الجميع متخوف من إرهاب "داعش" ولكن لحد الآن لم يقل لنا أي أحد من هو " داعش" ! وكيف نشأ و كيف أصبح قوة " مخيفة" ! كل هذه الدول متهمة بإحتضان "داعش" بدءاً من إيران وأمريكا وتركيا وقطر وحتى الكويت والإمارات , ولكن لم نسمع برهان يدل على أي حقيقة ! قيل إن داعش صناعة صهيونية والدليل على إنه لا يحارب " إسرائيل" أو يدوس على طرف فيها أو ينتقد ما تفعله في غـزة من جرائم وحشية يندى لها جبين الإنسانية ولكن لا داعش و لا غيرها ينتقد أو يحاول أن يقول لإسرائيل كفى ولوغاً بدماء الأطفال والنساء والشيوخ في غزة المحاصرة والمزدحمة ! لم يقل لنا أي " عبقري" أمني أو سياسي ماهية هذا التنظيم الذي خرج على حين غـرة ليحتل جزء من سوريا وجزء من العراق ويعيث فساداً في هاتين الدولتين " القويتين" . السؤال الذي أكـرره وألح عليه هو الى ماذا توصل التحقيق مع " الدواعش" الذين وقعوا في قبضة القوات الأمنية ؟ ولماذا لا نعرف الحقيقة عن أوضاعهم في السجون ! لماذا لا يشركون محققين من الدول المهددة أو الدول المتضررة لكي يكشفوا الغطـاء عن سـر الأسـرار ؟
لا أستطيع أن أجيب عن سؤال صديقي الأفريقي الذي وجه لي سؤالاً حيّرني هل داعش سنية أو شيعية ؟ لا أعرف لأنهم يقتلون الجميع المسيحيين و الأيزيديين , الشيعة و السنة العرب والكرد لا أحد بعيد عن حد سيفـهم , لهذا نحن في حيـرة لا يقـر لها قـرار عن " داعش" وخليفة دولتها الإسلامية أبو بكر البغدادي الذي لم يكن إسمه وارداً في قائمة المطلوبين بقرار مجلس الأمـن الدولي !؟ , إنهم خليط من كل الدول , فالداعشي الذي خرج ليقطع رأس الصحفي الأمريكي " جيمس فولي " حللت صوته مخابرات بريطانيا وخرجت بنتيجة أولها إسمه " جون" و عينيه " زرقاء" ولكنته الإنكليزية بريطانية يعني كل سمعة و ثقل المخابرات الأمـريكية ( السي آي أي ) و أم آي 6 وغيرهما من مخابرات كلها لم تكتشف ماهية " داعش" التي جعلت رؤوس تدور وتدور ! و هناك تساؤلات تراودني في كل الإحيان لأنني أسمع عن جرائم إرهابية هنا وهناك , القاعدة وجرائمها , جبهة النصرة في سوريا , الجبهة الإسلامية , داعش , أنصار الشريعة في تونس و ليبيا أنصار بيت المقدس في مصـر وصولاً الى بوكو حـرام في نيجيريا كلها أسماء لتنظيمات إرهابية مجرمة تحمل إسم الإسلام وتقتل بإسم الإسلام وترهب الناس بإسم الإسلام و لم أشعـر من مما يسمون أنفسهم " رجال" الدين الإسلامي , كمنظمة العالم الإسلامي أو إتحاد علماء المسلمين ورئيسها يوسف القرضاوي الذي أعادوا إنتخابه رئيساً أو أي تنظيم يتاجر بالدين ينتقد أو يستهجن أو يُكَفـّر أو يفتي أو يصر على محاربة هذه التنظيمات المجرمة التي تشوّه الدين الإسلامي وتدفع الآخرين من غير المسلمين بمعاداته والخوف منه , يجب أن يكون الهدف الكبير لهؤلاء " المعنيين" بشؤون الدين الإسلامي أن يوضحوا مواقفهم بصورة لا لبس فيه !
الى هنا كل دولة متهمة بدعم " القاعدة" وفروعها داعش وغيرها عكس القاعدة القانونية " المتهم برئ حتى تثبت جريمته أو إدانته " . و من يحارب " داعش" يجب أن يحاربها في كل مكان من منبعها وحتى مصبها , من يريد أن يحارب الإرهاب يجب أن يحاربه في سوريا فهو منتشر بكل أسمائه ويواصل ضربه بقوة في العراق فهو إمتداد من هناك الى هنا , إذا أرادت الولايات المتحدة وأوروبا إن لا تقلق من وصوله إليهم أن يشاركوا في إستئصاله وقلعه من جذوره والضرب على رأس الدول الداعمة له كائناً من كانت بل والحد من تأثير "رجال" الفكر التكفيري وأولهم الفكر الوهابي المنحرف عن الدين الصحيح . وهنا أستغرب تقديم الشيخ الكبيسي الى المحاكمة في دبي لقوله " إن الوهابية صناعة يهودية ومحمد عبد الوهاب صناعة يهودية " ولم يخطئ الشيخ الكبيسي وما تقديمه الى المحكمة إلا دعماً صريحاً للإرهاب و أفكاره ومنابعه والدليل على هذه الصناعة ما كتبته فوق من إنها لم تمس المصالح الإسرائيلية أو تدوس على طرفها .
الرئيس الأمريكي باراك أوباما وصف قطع رأس الصحفي فولي بالجريمة البشعة كما وصفتها الناطقة بإسم الخارجية الأمريكية أيضاً وأنا مع هذا الرأي وضد قتل أي إنسان و في أي مكان يوجد , بينما هذه الجريمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة فقد أرتكبت جرائم بشعة في سوريا والعراق ولبنان بحق المواطنين في هذه البلدان ولم يكن رد فعل الإدارة الأمريكية قوياً بثقل الجرائم التي إقترفها الإرهابيون في الموصل وتكريت والأنبار وكركوك الى أن هددت داعش حدود " إقليم كردستان العراق " فسارعت للمساعدة قبل أن تمس المصالح الأمـريكية وهذا يُذَكرني ببيت الشعر " قتل إمرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب كامل مسألة فيها نظـر " ؟!
الى أن تتوضح حقيقة لغـز " داعش" سنبقى حائرون فيه نرنو بأنظارنا الى ما ستتمخض عنه التحقيقات مع الذين ألقي القبض عليهم .. كذا ؟! سنبقى نستنجد بكل الشرفاء في العراق أن يكونوا عوناً لشعبهم ووطنهم ضد الإرهاب , من لا يستنكر جرائم " داعش" ويسكت كرهاً بالحكومة أو يشمت لضعف القوات الأمنية وهروبها أمام هجوم داعش , فهذا " العار" يغطي الجميع من الحكومة وقواتها وحتى الشعب بمختلف مكوناته , كل مواطن مسؤول و يساهم بدحر الإرهاب سواء باليد أو الكلمة أو حتى التمني وهو أضعف الإخلاص للوطن والشعب , الحكومة مدعوة للمصارحة مع الشعب عن كل المشاكل والأخطار وسبل حلها والتصدي لها بكل قوة , والى أن تتألف الحكومة الجديدة يجب على كل الأحزاب والكتل أن تقف مع الوطن والشعب وتغّلب مصالحهما على مصالحها الأنانية خاصة وإنهما في خطر داهم , كلنا في سفينة تصارع الأهوال في بحـر متلاطم الأمـواج وغرقها يؤدي بالجميع الى القاع , لذا نحن مدعوون الى لَمْ الشمـل ونسيان الصراعات السياسية والدينية لكي نعيش ونبني ونتنفس بحرية وديمقراطية حقيقية ونتمتع بثرواتنا الطبيعية من أجل سعادة الجميع .
مقالات اخرى للكاتب