في الكوارث والنكبات يُمنح الإعلام دوراً تُكمله حالات الاستنفار، سعياً للإنقاذ والمساعدة، وإيصال الأخبار وتمكين الجهات المعنية من تشكيل صورة أولية عن المشكلة، وبالطبع ستختلف ردود فعل الإعلام وتغطياته بحسب نوع وزمن الكارثة، وسيكون لكل صاحب غاية ما يستثمره ضمن أجوائها، فإعلام الأزمات ومن يشتغل عليه سيستعد للتمرّد على القيم والأعراف والمهنية، متوهماً حق الاستثناء الظرفي، لإلقاء اللائمة، بحكم التأثير والانفعال، حدّ تعدي الحدود وعبور الحاجز والرادع المهني والأخلاقي، المفترض الطاعة والإلزام والتعزيز في مثل هذا الظرف، وبصورة أشد وضوحاً.
في مشكلة الأمطار والسيول والفيضانات التي اجتاحت العاصمة ومدناً عدّة، ثمة دروس كثيرة، وأعني هنا الدروس الإعلامية والصحفية، فالحديث عن موضوع المعضلة الوطنية التي سببتها الأمطار، وضرورة مواجهتها، صارت الهدف لأكثر الأخبار المنقولة والمتداولة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لكن أخباراً وتعليقات، وبحكم النوايا الطيبة ،غالباً، قد عبّدت الطريق إلى جهنم- كما يقول المثل- لأنها لم تحتكم إلى المنطق، وتفتقر الى الدقّة والمهنية، فصورة لمدرجات ملعب غارقة بالأمطار، مثلاً، يسبح في جزء منها مشجعون على ارتفاع شاهق، سيعنونها أو يكتب أحدهم عليها تعليقاً عابراً بالقول: "صورة المدينة الرياضية في البصرة بعد الأمطار!".. وينشرها في فضاء الشبكة العالمية، وعبر"فيس بوك" أو خدمات الرسائل، وبالطبع لن يكون بوسعك الوصول إلى كل من اطلعوا على ما تداوله هذا الشخص، وسيحزنك أن تكون الصورة ملفقة، وهي لملعب آخر بمدينة برازيلية يعرف تفاصيله رياضيون من خلال ألوان المقاعد والتصميم، وهي قدرة لمختصين سيكتشفون الصورة الحقيقية ويضعون الرابط لها من مصدرها الأساس.. ولكن ما الفائدة (بعد خراب البصرة) فالصورة صارت في متداول الجهل بالمصدر، وهي تنقل تضميناً لحالة سلبية تستحق التعليق، فتتهافت الآراء والتعليقات بين من ينتقد سوء الخدمات، وآخر ينتقد تصميم الملعب، وآخر يلوم الجهات المحلية التي أنفقت وأسست ،و..و ..إلى ما لا يحصى من انتقادات سيفعّلها كل من يرى الصورة، عبر ما يضعه ضمن سياقها، كحال المئات من الصور والحالات القابلة للتحريف بفعل برامج معالجة الصور، حيث وصلتني صورة قبل أيام لمجموعة شباب يدفعون طائرة نقل ركاب غارقة، ويظهر في الأعلى شعار وأسم الخطوط الجوية العراقية. و بعد التدقيق والتواصل مع أصدقاء اكتشفت أن الصورة ليست من العراق وإن اسم الخطوط قد وضع عبر برنامج الفوتوشوب.
أتساءل عن أسباب هذا التهويل، وبالطبع، فالحقيقة أعز من أفلاطون!، ونتمنى أن تكون أكثر إشراقاً، ضمن التمكين الإعلامي ومنجزاته الموجبة لتحقيق الحياد والموضوعية وقدرة توفير المعلومة الدقيقة، وبترفع عن أية مصالح أو غايات فردية أو فئوية، حتى لا تكون مصيبتنا في أمانة الإعلام والمتداول، وتلاشي الحقائق بين الخداع والفبركة والتضليل، فتلكم أقصى وأقسى الكوارث.
مقالات اخرى للكاتب