يتغيّر مؤشر الامل، صعوداً او نزولاً، كلما تغيّرت خريطة الاحداث المؤثرة فيه.
كعراقيين، اليوم نحن افضل من السابق. افضل مما كنا قبل ثمانية اعوام. فالغول الايراني تصالح اخيراً مع المارد الامريكي. ثمة اتفاق مهم حصل بينهما على القضية النووية الايرانية دخلت ايران على اثره مع الغرب في تصالح محفوف بحيلة وحذر، لكنه تصالح مهم يجبر ايران على اعادة النظر في سياستها تجاه قضايا العراق والمنطقة العربية بصورة اعم.
ليس هذا فحسب، الانتصار "العلوي" الملحوظ في الساحة السورية والانكسار السعودي الواضح في جبهة الصراع العربي الطائفي، اضافة الى الانكماش القطري المفاجىء مع الانهيار المصري التام وشلل الاردن السياسي، كلها عوامل ترفع مؤشر الامل عند العراقيين و"شيعتهم" على وجه الخصوص من ان زمن التبرير لحكومة عراقية فاشلة قد ولّى. زمن تخويف بسطاء الشيعة من ان فزاعة البعث والحكم "السني" مازال يهدد جموع التشيع في عقر داره قد اصبح في خبر كان. زمن الترويج لبطل من ورق يسقط "التشيّع" بسقوطه قد ذهب الى غير رجعة. زمن التماس الاعذار للفاشلين والمرتشين والفاسدين بحجة الدفاع عن "المذهب" قد بات مضحكاً غير ذي قيمة.
ليس الدفع باتجاه صناعة الازمات واجترار خطاب الهوية المذهبية سوى السبيل الاوحد للوصول الى دفة الحكم واعتلاء منصة المسؤولية. خطاب سني عنيف ورؤية شيعية متطرفة اراها تتشكل قرب كل عملية انتخابية، فهلا دققنا مَن وراؤها. مَن ذا يؤجج ذلك الخطاب السوداوي كلما مررنا على صندوق انتخابي!
انهم هم. تلكم الطبقة السياسية المستفيدة من صراع الديكة المستمر بين ابناء البلد الواحد. اذ لا شيء يؤمّن لها سطوتها على بني جلدتها سوى ذلك التنافر الحاد بين مريديها ومريدي المنافس من الطائفة الاخرى. الامر سيان عند شيعتهم وسنتهم، فالاثنان احترفا اللعبة وعَرَفَا ان اقصر الطرق للوصول الى رقاب الرعيّة لهو طريق الطائفية. واعني بهم قادتهم وقياداتهم وليس عموم ابنائهم. فهلا انتبهنا لهذا!
انها فرصتنا جميعاً ان نقول كفى. فرصتنا ان ننتخب على اساس المواطنة والكفاءة لا على اساس الطائفة والمعتقد.
ليس ثمة من يوزع صحون "القيمة والتمن" في سرادقات الحسين او ينظم جموع الزائرين الحسينيين او يمسك مسحاته امام الكامرات وعلى صفحات الفيسبوك يستحق ان يُنْتَخَب. ليس ثمة مَن تعوّد تسويق الفشل على الآخرين ثمانية سنوات يستحق ان يبقى في منصبه.
انا ارى الظروف مناسبة للتغيير والامل معقود على جيل الشباب الواعي الذي عاش في كنف الطائفية المعلنة قرابة العقد من الزمن. ذلك الجيل الذي اكتوى بنار الطائفية والفشل والتراجع عليه ان يقرر الآن، اما الدولة المدنية الديمقراطية المبنية على اسس التسامح والمحبة بين كافة مذاهبه وطوائفه ومكوناته، ام يبقى حبيس الطائفة والتمترس خلف تاريخ مشوش ومرتبك يستخدمه في مواجهة الآخر. الآخر الذي ينتمي الى نفس ذاك التاريخ ايضاً.
صوتوا للاكفأ القادر على قيادة جموعنا سياسياً واتركوا مَن له مهمة قيادتنا دينياً في الجوامع والكنائس والحسينيات.
ايها العراقيون، البديل الوحيد عن تشرذمكم داخل بلدكم او تشظيكم على بلدان العالم الاخرى هو بوصول تيار مدني عقلاني محترم الى سدة الحكم وانزواء كتل الخراب والاسلمة السياسية الى جحرهم مرة ثانية. تيار يحترم التنوع ويتعايش معه بل يثقف باتجاهه. لا يفرق بين احد واحد. مَن شذّ عن هذا، سنياً كان ام شيعياً، عربياً كان ام كردياً، مسلماً كان ام مسيحياً، تركمانياً كان ام شبكياً، فليس له مكاناً بيننا. هكذا يجب ان نكون والاٌ سيبقى لعابنا جميعاً يسيل نحو مطارات الغرب وعيننا على ديمقراطيتهم ومدنهم ومبانيهم وادارتهم، نتحسر ونغبطهم للابد.
ايها العراقيون، الشيعة والسنة مذهبان محترمان اصيلان ينتميان الى الهوية العربية الاسلامية ويرفدان ابناءها بثقافة ثرّة وخصبة شكلت لنا شخصياتنا وتوجهاتنا لقرون عدة فلا تدعوا ايّ سياسي يعبث بهما ويجعلهما اجندة حكم على ان يكونا مدارس وعي وعلم تزدهر في كنفها الوحدة والشعور بالامن والطمأنينة.
ليس ثمة منطق في ان يحكم طائفي بلداً متنوعاً كالعراق وهذا ما يجب ان يكون شعارنا جميعاً في الانتخابات القادمة.
البقاء للاصلح والاكفأ والانتخاب على البرامج لا على الطوائف ان كنا نريد بلداً واحداً موحداً والاّ فتقسيم الدار على ثلاثة والسلام على ما كان يُسمّى عراقاً.
مقالات اخرى للكاتب