في زحمة الفضائيات المملوكة لهذه الفئة وهذا الحزب وتلك الشخصية وصل المتابع العراقي الى ترسيخ قناعات استند اليها في بناء الصورة المناسبة في توقيت دقيق حرج يطول زمنه وتتمدد أحداثه وتتشابك،،
ولا شك ان اثنين لا يختلفان على كون هذه المرحلة التي يمر بها البلد هي الأخطر في تاريخه الحديث،،مهما كانت أهمية وخطورة مراحل الحروب والاحتلال الامريكي،،لان هذه المرحلة نتاج طبيعي لكل ما سبقها،،ولان ولادة عسيرة لانموذج فريد تجري في العراق لا تعجب احدا في أمة يتحنط فيها الزعماء على كراسي الحكم،،لا فرق في ذلك بين نظام ملكي او جمهوري حتى لو استوفى شكليا معايير الدستورية،،حتى في دول ما يسمى بالربيع العربي فان التخبط والفوضى والصراعات تنصرف الى طبيعة العقلية العربية المحتجزة في سجن عقيدة الخلافة والوراثة الأبوية والدينية،،لا فرق،،
ولكل مرحلة رموزها البشرية والفكرية والدينية،،وهو دائماً الوجه الإيجابي لكل منها،،وتحديدا المراحل العصيبة،،
وعلى خارطة اليومي العراقي المعاش بعد الانعطاف التاريخي المتمثل بالاحتلال الامريكي للعراق برزت ملامح الانفتاح المتجسدة في الفضائيات والاتصالات والشبكة العنكبوتية التي وصلتنا متأخرة،،ومرت الشخصية العراقية المتلقية في تعاملها مع هذا الانفتاح بثلاث مراحل الصدمة،،الانبهار،،الانتشار،،وهاهي على أعتاب المرحلة الرابعة وهي تشكل الرؤية السليمة في الاستخدام،،وهذه المرحلة عسيرة ومعقدة لانها تستند الى الوعي الذي بات يمثل حالة نسبية متفاوتة في فهمها وتأطيرها،،
واكثر هذه الملامح التصاقا بالمواطن هي الفضائيات بحكم سهولة أتاحتها واستخدامها من قبل الفئات جميعها حتى الأمية منها،،
وأتيحت بعد اكثر من عقد من الانفتاح فرص للتجريب والفرز انتهت الى ترسيخ أقدام هذه الفضائية او تلك ،،وكان جيل الفضائيات الاول الذي لفت الأنظار اليه متمثلا بقناني الجزيرة والعربية بحكم تعلق المواطن العراقي بالأخبار السياسية على وجه الخصوص،،ثم استلمت قناة الشرقية اللواء منهما وبدأت باستقطاب شريحة واسعة من المشاهدين والمتابعين وهي التي عزفت على اكثر من وتر بدهاء واضح أهمها وتر الحاجة الاقتصادية وحيث برامج المساعدات للفقراء التي تحولت لاحقا الى الدعائية اكثر من المهنية وكانت حفلات رياء متتالية أفقدتها شيئا من نبل الغاية،،حتى تحولت الى التدخل في صناعة المشهد السياسي من خلال توظيف المال السياسي وكانت حملتها على رموز سياسية منها محافظ الانبار السابق في وقت حرج تسبب بجزء كبير في فقدانه أغلبية انتخابية في انتخابات المجالس المحلية مع انه يوصف بالشخص الناجح والمناسب والوحيد الذي نقل الانبار من فترة الركود والتخلف بشهادة اهلها وشهادة خصومه انفسهم،،
واليوم تمارس الشرقية هواية السباحة ضد التيار وتزاوج بين محلية التعاطي مع الأحداث وتفاصيل تهم حياة المواطن وبين تتبع عثرات الدولة وأجهزتها حتى بعد الولادة المستعصية لحكومة توافقية تحتاج الدعم من الجميع بلا استثناء،،مع انني كنت من اكثر متابعيها تعلقا بها واحتراما لنا تقدمه من مفردات تهمنا كمجتمع وأفراد ،،
ثم برزت قناة البغدادية ذات الوجه العراقي الجميل المحبب ،،ببرامج هادفة ممسكة بواحد من اخطر ملفات المرحلة التي تشخص بكونها اخطر عوامل الانهيارات التي عانى منها العراق مؤخراً،،ونعني به الفساد،،الغول الذي تحول الى ما يشبه المافيا الروسية التي تخنق واحدة من اهم دول العالم،،بل وتتداخل معها مافيا الفساد في العراق،،
وقد عرفت البغدادية كيف تمسك خيوط الفساد من خلال شبكة من الاتصالات النشطة والصرف السخي على تحصيل المعلومة وتعاون الناس معها،،واصطدمت بأسماء خطيرة وفتحت ملفات شائكة،،من خلال مختلف برامجها،،وفي مقدمتها تاسعة أنور الحمداني الناجحة،،والتي تحظى بنسبة متابعة بسبب جرأتها وعمقها وموضوعيتها،،مع انه يحتاج الى ملاحظة مسالة مهمة وخطيرة في ان معا وهي تحول البرنامج الى محكمة تستبق الاتهام وتروج له قبل سماع الراي الاخر لتخرج قليلا عن مهنية عهدناها فيها،،تسبب ذلك في استفزاز غير محبب للمتابع بدلا عن استنفاره الذي تهدف اليه في حملتها لتحريك الناس للوقوف بوجه الفساد الذي تسبب بضياع مدن عريقة وتقهقر جيش عملاق وتبديد خزينة ضخمة كانت ستحول حياتهم ١٨٠ درجة،،
لست اروج لتلك الفضائية او تلك لكنني متابعة خرجت بانطباع المتابع ولا انوب عن احد او امثل غير رؤيتي ولي أمنية ان تتحول جميع فضائياتنا الى أنموذج للمهنية والنجاح الذي يرفع رؤوسنا جميعا،
مقالات اخرى للكاتب