اعلن قاضي محكمة غسيل الأموال والجريمة الاقتصادية السيد اياد محسن ضمد يوم 16 كانون الثاني من هذا العام , عن قيام عدد من المصارف الحكومية والأهلية بإعطاء قروض مالية كبيرة من دون ضمانات , فيما وصف ذلك "بالسرقة المشرعنة". اذا كان هذا الخبر صحيحا واذا لم تتخذ السلطات المختصة إجراءات مشددة بحق هذه البنوك , فان العراق ستنتظره كارثة اقتصادية الى درجة يفقد المواطن ثقته بالنظام المصرفي ويقود الى ركود اقتصادي إضافي ربما يصعب الخروج منه.
تجارب الأمم الاقتصادية كثيرة ومجانية ومن الواجب الاستفادة منها. وصول النظام المصرفي الأمريكي الى حافة الانهيار والذي تبعه انهيار اقتصادي يقارب في اوصافه الكساد العالمي لعام 1930 مازال حلم مزعج يقلق المواطن الامريكي. الركود الاقتصادي العظيم والذي بداء نهاية عام 2007 ولم ينتهي حتى نهاية عام 2009 كان السبب بتسريح اكثر من 10% من الايدي العاملة , خسارة سوق الأوراق المالية في يوم واحد ثلث قيمتها أي حوالي 62 ترليون دولار , عدد كبير من المصارف التجارية اضطرت الى أغلاق أبوابها او اشهار افلاسها , مئات الالاف من أصحاب الدور السكنية (المرهونة) اضطروا الى ترك بيوتهم ورمي مفاتيحها على اعتاب البنوك المقرضة لهم , وانهيار سوق الدور السكنية في بعض الولايات حتى وصلت أسعارها لا تتجاوز اكثر من 20% من قيمتها الدفترية , وظهرت مدن الخيام للعوائل التي فقدت دورهم على مشارف المدن الكبيرة لأول مرة .
السبب وراء كل هذه الازعاجات هو تصرف البنوك التجارية الغير مسؤولة في سياسة اقراضها. لقد بدأت البنوك بمنح القروض الكبيرة الى المواطنين بدون التأكد من قابلية المقترض المالية , ما هي اهداف القرض , هل المقترض لديه عمل او بدون عمل , موقع العقار وقيمته. لقد وصل حجم قروض بعض البنوك أكبر من حجم رأسمالها. النتيجة هو عدم استطاعة مئات الالاف من مالكيي الدور دفع المستحق عليهم من القروض، تلتها توقف البنوك من إقراض المستثمرين وذلك بسبب نضوب السيولة المالية لها , بعض البنوك بدأت بالتلويح بعدم استطاعتها برد الودائع المالية . الاقتصاد الأمريكي تراجع الى 7%. في النصف الثاني من علم 2008.
لا نريد ان يكون الاقتصاد العراقي الضحية الثانية بعد الولايات المتحدة بسبب سوء تصرف أصحاب المصارف الاهلية والحكومية. على الحكومة وممثلها البنك المركزي العراقي بالتحقيق من صحة الخبر واختبار كفاءة البنوك وطرق منح القروض الى المقترضين. الولايات المتحدة الامريكية أصدرت قانون باسم داد فرانك عام 2010 بموجبه يتم اختبار قابلية البنوك وكفاءتها سنويا. الاختبار يشمل كشف ماذا سيحدث للبنوك الكبيرة في حالة ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل تزيد على 10%, ماذا سيحدث للبنوك في حالة تدهور سوق الأوراق المالية بنسبة 60%, ماذا سيحدث للبنوك في حالة تراجع الاقتصاد المحلي بنسبة كبيرة , وما تأثير ارتفاع نسبة أسعار الفائدة , وهل تستطيع البنوك بدفع نصف ودائع المودعين في فترة محددة وماذا سيحدث للبنوك لو انخفضت أسعار العقارات بنسبة 25% , وما تأثير زيادة أسعار النفط الى اكثر من 200%. كان اخر اختبار للنظام المصرفي في الولايات المتحدة الامريكية في اذار 2015 وقد اجتازت جميع البنوك البالغ عددها 31 بنك الا واحدا وبدرجة فشل قابلة للعبور بإصلاحات بسيطة.
لا نتوقع ان العراق له الامكانية باختبار قابلية البنوك وكفاءتها سنويا. ولكن نتوقع من الحكومة العراقية والبنك المركزي العراقي بمراقبة سياسة البنوك الاقراضية , وعدم السماح لها بإقراض مبالغ تفوق قابليتها المالية وبحجج واهية . ان زعزعة ثقة المواطن بالنظام المصرفي الوطني له تبعات خطيرة على مستقبل الاقتصاد الوطني واستقراره والحكومة مسؤولة على مراقبة هذا القطاع الاقتصادي الحيوي لان ترك البنوك بدون مراقبة قد يثقل كاهل المواطن من خلال استغلاله بفرض فوائد عالية على قرضه , المقامرة بأموال المودعين وذلك عن طريق اقراض من لا يستحق الاقتراض بفائدة عالية , والمضاربة في الاعمال التجارية والتي قد تقوده الى افلاسه وافلاس المودعين ودائعهم ومن بعد ذلك قد يؤدي الى ارباك السوق الاقتصادية والذي بدوره قد يؤدي الى ارتباكات سياسية ,العراق في غنى عنها.
مقالات اخرى للكاتب