ليست نينوى وحدها التي ضاعت من العراق بل ساحة الفردوس أيضا.
لا ادري لماذا نعتقد أن وجود الموصل تحت هيمنة ابو بكر البغدادي هو ضياع لها من العراق ونظن أن المدينة التي ترفع صورة خميني وخامنئي ما زالت عراقية.
وقلت: وطنيا كلا الضياعين واحد, بمعنى تأثيرهما بالنهاية على بقاء وطن معرف بهويته الوطنية وتركيبته الإجتماعية وثقافته السياسية كالوطن العراقي أو السوري او الليبي. أما على صعيد الحسابات الأخرى, أي بما تقره برامج أحزاب إقليمية وما تأسست عليه وما تسعى له فالأمر لا شك يختلف كثيرا, وأجزم أن تفاصيل الموقف, وليست مبدئيته وأهدافه النهائية , بحساب أضرارها على وتضادها مع المشروع الوطني, هي التي باتت تحدد موقف الكثيرين مما يدور على الساحة العراقية أو السورية أو على اية ساحة عربية أخرى ذات نفس المتشابهات.
ماذا يعني ذلك بالضبط: إنه يعني أن الأكثرية باتت ضد داعش لأن تفاصيل موقفها على الصعيد الإنساني طغت على مبدئية أهدافها السياسية التاريخية التي لا تَفْرق كثيرا عن ما يتصف به أضدادها النوعيين من خارج ساحات الدول الوطنية المُنْتَجة ما بعد الحرب العالمية الأولى, إضافة إلى ان الشحن الدولي قد جعل داعش وحش الشاشة, وأراه قد أفلح في تأجيل معارك تاريخية بين وحوش اخرى كان يمكن أن تكون في مواجهة بعضها, ويكون جميعها في مواجهة المشروع الوطني, لو أن داعش لم تدخل إلى ساحة صراع الداينصورات, ولم تنتفخ أو يجري النفخ فيها بشكل جعل منها وحش الشاشة دون منازع.
نحن إذن نتحدث عن ممارسات داعش الوحشية الإجرامية أكثر مما نتحدث عن مشروعها السياسي الذي يرمي إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية, ففي نهاية الأمر, وعلى صعيد التضاد مع المشروع الوطني وكياناته العربية المتفرقة يبدو أن الأمر لا يختلف كثيرا حينما تجري المقارنة بين هذا المشروع وآخر يمثله نقيضه السياسي النوعي ألا وهو مشروع دولة الفقيه, أو آخر كان على أبواب أن يؤسس له إخوان مصر وتونس وتركيا وحماس, لولا وقفة الشعب المصري الأصيل والدور العظيم الذي سيسجله التاريخ لقائده السيسي الذي أفلح في إيقاف سقوط المشروع الوطني في عموم المنطقة وليس في مصر وحدها.
وها نحن نعيش مرحلة تداخلت فيها الأوراق كثيرا بحيث لم تعد هناك قدرة حقيقية على إيجاد تعريف شافي ووافي لمعنى العمالة والتبعية وحتى الخيانة. ويوم يجري تعريف هذه المفردات على ضوء معطيات المراحل الوطنية السابقة ووفق مفاهيمها السياسية والقانونية فإننا سنواجه بما يصح أن نسميه الفقه العميل أو التابع او حتى الخائن, وسنجد أن أحزابا وحركات سياسية برمتها, بدلا من أفراد, باتت تتحرك في ساحة ذلك الفقه, بشقيه المتضادين سياسيا, لكن المتآخيين على صعيد عدائهما المشترك لمشروع الدولة الوطنية الذي بتنا على ابواب أن نشهد موته السريري.
المشكلة التي لدينا الآن أن القانوني بات على تضاد كامل مع السياسي, وبالأمس القريب كان السياسي قد أنتج القانوني الخاص به, فيوم كان يوضع العميل في قفص الإتهام فإن القاضي لا يجد صعوبة تذكر في إيجاد المادة القانوينة التي تدينه, أما اليوم فإن كثيرين من الذين يحاربون داعش هم شركاء لها في تدمير دولة المشروع الوطني, ويقف في مقدمة هؤلاء دعاة دولة الفقيه وأتباعها من العراقيين الذين ياتوا يرفعون دون حياء صورا لقادة هم أعداء فقهيين وسياسيين لوطنهم العراق.
ويوم غد, وبفقه كهذا, حين يقدر للعراق أن ينتصر على داعش, فإن العملية ستنجح لكن المريض سيموت.
مقالات اخرى للكاتب