يفترض ان تكتسب الفعاليات والنشاطات على المستوى الوطني والاقليمي والدولي أبعادا شعبية ، وتصبح محط انظار الناس واهتمامهم وحديثهم وتدفع بهم نحو تفهم عميق لموضوعها وتعطيه مدادا كبيرا للانتقال به الى مستوى ارقى نوعاً وكماً . والناس يقفون موقفا ايجابيا على العموم من إقامة هذه الفعاليات والمؤتمرات لأنهم يدركون مغزاها ويتفاخرون بها لما تحققه من فوائد متوخاة وانجازات على صعيد موضوعاتها . ومن هذه الفعاليات اختيار بغداد عاصمة للثقافة العربية ، توقع الناس حسب الإعلانات التي صدرت من الجهات المعنية ، انهم سيلحظون تطورا ماديا وحضاريا وتلاقحا وترابطا مكثفا بين الثقافة العراقية والثقافة العربية ، وتطورا ماديا محسوسا على الأرض ،ولكن لم يلمسوا شيئا ومرت المناسبة مرور الكرام ، وما شعروا بها لولا تقطيع اوصال بغداد ، وسجن الناس لساعات طوال في الشوارع نتيجة لأجراءات امنية مشددة صارت عادة عند البغداديين ، حيث تلجأ الجهات الامنية الى اسهل الخطط بمنع الناس عن الحركة وحجزهم . الاجراءات غير المسبوقة والمبالغ فيها افسدت الفعالية واثارت التذمر والاستياء ليس بين العراقيين ، حتى بين أعضاء الوفود العربية ، مما اجبر وزير الثقافة والدفاع على الاعتذار علنا لهم على الاجراءات الأمنية التي طالت الضيوف وأزعجتهم ، وربما لسان حال بعضهم يقول “ ياريت ما جيت “ . فهؤلاء كانوا يمنون أنفسهم بجولات حرة بين الناس ولقاءات عفوية وزيارات لمعالم حضارة وادي الرافدين ومسارحها والاطلاع على فنونها وآدابها وبيوتاتها الثقافية ، إلا أن ذلك بقى حلما بسبب المبالغة في الاجراءات الامنية التي كرستها وزارة الدفاع بحكم تولي الوزير للوزارتين .. في يوم الاثنين الماضي اغلق وسط بغداد تماما لمدة ساعتين ليمر موكب الوفود من شارع الرشيد الى الفندق في شارع السعدون ، جسور اوقفت الحركة فيها ، والمواطنون قطعوا كيلوا مترات سيرا على الاقدام ، فيما كان بالامكان تنظيم ذلك بالجمع بين الحركة والامان .. ولكن الخوف والارتجاف من الفشل الامني لعدم جاهزية الأجهزة فلجأت الى اسهل الطرق واكثرها اثارة للتذمر ولعنا للثقافة والمثقفين ، وربما اكبرها ، دعاية للمهرجان .. أتساءل إذا كنا غير جاهزين لأستضافة مثل هذه الفعالية والاستفادة منها ، وتحقيق غاياتها ، لماذا لم نؤجلها ليكون المردود متناسبا مع الكلفة المادية والبشرية والجهد المبذول فيها ؟ . انا متأكد ان الضيوف من رجال الثقافة العربية سينقلون انطباعا غير ايجابي بالمرة عن الاجراءات الامنية التي ضيّقت على حريتهم وحرية اشقائهم العراقيين . ان الثقافة والسلاح لا يجتمعان أبدا ، فالكلمات والحروف تنساب الى القلوب والعقول بعيدا عن الحصار الامني والاكراه ، وزارتا الثقافة والدفاع على طرفي نقيض في التوجهات والسلوك والاهداف ولا يمكن أن يجتمعا ، لذلك لم تظهر الفعالية بالمظهر اللائق الذي يرضى اهل بغداد قبل ضيوفها .
مقالات اخرى للكاتب