يبدو للمراقب السياسي اليوم أن العراق كدولة وكيان ومجتمع يمر بأخطر فترة يمكن أن يواجهها مجتمع ونظام سياسي وكيان وهو يمر يتقاطع طرق رهيب , الغالب من القوى المؤثرة في لعبة السياسة والمصالح لديها أطماع ومرتبطة باستراتيجيات طويلة لكنها تفضل العمل التكتيكي بأنتظار ترتيب مواز للوضع العراقي قد يمنحها فرص أوسع للتدخل ,أو يضع عراقيل في وجه الخصوم وأصدقاء الخصوم , إيران سوريا لبنان اليمن علامات وإن كانت ترتبط بخيوط لاعبين معروفين لكنها في الواقع تشكل معادلة قوى وتوازن مصالح إقليمية ودولية مع الوضع العراقي كوحدة واحدة.
لا شك أن العلاقات الدولية وشبكة المصالح المرتبطة بها اليوم ليس هي كالأمس بفعل التداخل وارتباطات الوضع الجيبولتيكي وتعدد المساهمين واللاعبين في حلبة السيرك السياسية , يفرض علينا حقيقة أننا يجب أن نتعامل بواقعية حقيقية مع كل التحركات والتغيرات والتبدلات التي تجري خارج وداخل الساحة العراقية وفي محيطها المؤثر , لا يمكن اليوم أن نعيش بمعزل عن نتائج ومسببات أي حراك سياسي عالمي , ولا يمكننا أن نتجنب التأثيرات الخارجية إلا بالقدر الذي نكون فيه على أستعداد للاحتواء والمواجهة من خلال جبهة داخلية صلبة ورصينة موحدة على هدف وتستمد قدرتها من وحدة مبادئ جامعة ,من غير هذا فلا أظن أن الوضع السياسي في الساحة العراقية قادر أن يحمي الدولة ومؤسساتها , كما أن المجتمع بذاته فقد القدرة على الشعور بالوحدة والانتماء لمظلة وطنية جامعة.
من هاتين النقطتين المهمتين لا بد أن نبحث عن جدوى وأهمية وأتجاهات التغيير المطلوبة لتصحيح الوضع المنحرف للعمل السياسي والإداري في شقيه الحكومي والأجتماعي , التغيير السياسي حتى يكون منتجا وحقيقيا وقادرا على بعث روح الشعور بالوطنية لا بد له من إعادة تصحيح الوضع الأجتماعي المدني للمجتمع , وأولى تلك الخطوات هي إعادة فرض سلطة القانون في تأطير العمل الفردي والجماعي ضمن حدود ما يحفظ للكيان العراقي وحدته وتماسكه , وهذا لا يأت فقط بتبديل الوجوه أو أعطاء مساحة أوسع ليكون القانون سيد الأحكام بل بتبني ثقافة أحترام وتقديس القانون بأعتباره المظلة الحامية للجميع وبدون أستثناءات أو منح حقوق وفرص إضافية خارج الحق العام.
فليس التغيير المطلوب يقتضي تبديل في المواقع والمسئوليات ولا هو عملية إعادة تموضع سياسي , التغيير المطلوب هو إستئصال ظاهرتين مهمتين الأولى الإفلات من المحاسبة والعقاب للذين خرقوا الدستور وتجاوزوا على نصوص القانون وحولوا الدولة العراقية ومواردها إلى بقرة حلوب , والنقطة الثانية إعادة بث روح الحياة في كل القوانين المعطلة ومحاولة تصحيح القواعد الدستورية الحاكمة , بهاتين الوسيلتين سيتمكن رعاة الإصلاح من إعادة التوازن لأهم أسس الدولة المعاصرة وهي العدالة في توزيع عبء الواجبات مقابل فرض التساوي في الحقوق على أساس شعارة المواطنة حق للجميع.
من الصحيح أن عوامل وظروف التعيير اليوم متهيأ أكثر من ذي قبل وأرضيتها قادرة على إفرازات حقيقية بوجود دعم دولي ومحلي ومؤسساتي يسانده نبض الشارع العراقي , بعد تجربة مخيبة للآمال وفاشلة بالمجمل التراكمي وغير ذات جدوى في ظل عوامل سياسية وأقتصادية محلية ودولية ,أبرزها الانتصارات الأخيرة في محاربة داعش وإنكفاء المد الهجومي له , ومع تصاعد المطالبة بتصحيح التوازن الأقتصادي الوطني بقرار استراتيجي بعزل تأثيرات البترول وموارده على الأقتصاد والنظام الوطني العام في العراق , خاصة وأن هذا العامل كان دوما ضاغط سلبي ومتفاوت وغير أمين في رسم السياسات الأقتصادية وتحوله من نقطة قوة إلى عامل ضعف وأبتزاز دولي.
مقالات اخرى للكاتب