هل العراق في حاجة الى إصلاح؟ الجواب هو نعم. العراق في حاجة الى اصلاح في جميع مرافق الحياة. العراق في حاجة الى اصلاح نظامه الاقتصادي , السياسي , المؤسسات الحكومية , ونظامه الاجتماعي والديني . هل ان من يدعو الى الإصلاح من اليسارين والبعثيين والطائفين وأصحاب الاجندات الخاصة مخلصين في دعواتهم للإصلاح؟ الجواب هو لا. الدعوة الى الإصلاح تحتها اهداف تمتد من اسقاط العملية السياسية الى تسقيط أحزاب سياسية معينة الى تسقيط افراد في الدولة العراقية. لا تستطع قوة عسكرية تغيير النظام السياسي الحالي في العراق , فاختار أعداء العملية السياسية وأصحاب الاجندات الخاصة بضربها من الداخل وذلك عن طريق استغلال فسحة الحرية و الديمقراطية , التظاهرات التي كفلها الدستور العراقي .ان عدم احترام المواطن لقوانين الدولة يؤدي الى انهيار الدولة مهما كان نوع نظامها . وان من يريد التغيير في العراق , يعلم جيدا ان الإصلاح الذي يطالبون به لا يمكن إنجازه ما لم يصلح المواطن العراقي نفسه .
كلنا نعلم ان رشوة الموظف الحكومي هو مخالفة قانونية وعملية غير حضارية , ولكن المواطن العراقي يمارسها كل يوم ومن يريد الإصلاح يجب عدم ممارستها لأنه لا قانون ولا نظام حكم يستطيع القضاء على الرشوة بدون تعاون المواطن مع الدولة . المواطن يجب ان يقتنع ان الرشوة عملية غير قانونية ويجب ان يعلم الموظف ان الرشوة التي يقبلها غير قانونية. كلنا نعلم ان النظام العشائري هو نظام متخلف لا يلتقي مع النظم السياسية الحضارية , لان المواطن تحت النظم السياسية المتحضرة متساوون في الحقوق والواجبات وبالتالي لا يحتاج الى الرجوع الى عشيرته لحمايته او اخذ حقه من الذي ظلمه , ولكن المواطن العراقي ما يزال يتباهى بقوة عشيرته ويرجع لها في حل مشاكله . وكلنا نعلم جيدا ان القانون يحمي الموظف الحكومي من الاعتداء عليه ولكن مع كل الأسف أصبح كثيرا من المواطنين يعتدون على موظفي الدولة دون خوف من التبعات القانونية.
لا يمكن انجاز أي اصلاح حكومي بدون اصلاح المواطن نفسه. لا يمكن لأي حكومة مهما كانت توجهاتها السياسية تنظيف شوارع بغداد مالم يحافظ المواطن البغدادي على نظافة مدينته. ولا يمكن لأي حكومة مهما كان نظامها السياسي من تحضر من تنظيم مرور المدن مالم يحترم المواطن الإشارات المرورية , وكذلك لا يمكن احترام الموظف الحكومي ما لم يبادر باحترام وقت ومعاناة المراجع .
لقد استعملت الحكومات السابقة العنف المفرط ضد المواطنين لتسيير أمور الدولة , بدون تثقيفه عن أهمية احترام قوانينها . وهكذا عندما تغيير النظام العراقي من نظام ديكتاتوري 100% الى نظام ديمقراطي غير منضبط بعد 2003, فهم المواطن ان خرق القوانين او عدم احترامها هي جزء من الديمقراطية , وكان من المفروض بمنظمات المجتمع المدني والنظام التعليمي , والمؤسسات الدينية , والمنادين بالإصلاح البدء بتثقيف المجتمع ان الديمقراطية لا تعني خرق القوانين وانما العكس ان الديمقراطية لها انياب ومخالب تستعمل مع كل من يخالف النظام . التغيير يحتاج الى تقبل المواطن الطوعي، وبدون هذا التقبل الطوعي لا يتحقق الإصلاح. عندما تشرع الدولة قانون للكمارك ولا يطبقه إقليم كردستان , يصبح القانون لا معنى له ولا يفي الغرض الذي شرع له . وعندما لا يطبق المواطن العراقي تعاليم الوقاية من الامراض , سوف لن ينجح النظام الصحي في العراق . وعندما يستخدم المواطن الرشاش للتعبير عن فرحه , انما يخرق هذا المواطن قوانين الدولة ويجعل عمل الأجهزة الأمنية صعبا وكذلك المستشفيات .
لماذا اتهم من قاد التظاهرات الأسبوعية وانصارهم بعدم جديتهم بالإصلاح وانما لتنفيذ اجنداتهم الخاصة؟ لان منذ بدء التظاهرات ولحد كتابة هذه السطور لم اقرأ مقالة واحدة كتبت من قبل قادة التظاهرات او أنصارها تنصح المواطن العراقي عن الكف عن ممارسة اعمال غير حضارية ومخالفة لقوانين الدولة بل للقيم الإنسانية. نعم نقرأ كل يوم مقالات تنتقد وتشتم قادة العملية السياسية وتتهمهم بسرقة 1000 مليار دولار وانهم جاؤوا على ظهر الدبابة الامريكية وانهم كانوا لا شيء واصبحوا كل شيء وكانوا فقراء مفلسون ولديهم الان ناطحات السحاب في نيويورك و لندن والامارات واصبح لهم مولات في أبوظبي و لندن . هذا ما نقرئه كل يوم , ولكن لا نقرأ مثلا مقالة واحدة من قادة التظاهرات وانصارهم تشجع المواطن العراقي بحماية امن منطقته من بطش القوى الإرهابية او من المجاميع الاجرامية التي أصبحت في كل مكان واصبح المواطن العراقي ان نجى من مفخخة او حزام ناسف قد لا ينجى من يد المجاميع الإجرامية . لم نقرأ مقال يتحدث عن التبعات القانونية والاجتماعية التي سيجابهها السراق عند القاء القبض عليه وما هي تأثيرات عمل السراق على سمعة عائلته في المدينة , على اخوانه واخواته أو على مستقبل أولاده . لم نقرا مقال عن التأثيرات الصحية لانتشار الصيدليات الوهمية على صحة المواطن العراقي والتبعات القانونية لممارسة هذه المهنة الخطرة. او نقرأ مقالة تتحدث عن مساوئ النزاعات العشائرية او إطلاق العيارات النارية في الهواء بمناسبة زواج او فوز فريق كرة قدم. هذه مواضيع مهمة ومتقدمة على تحقيق أي اصلاح حكومي. لا يمكن ان يكتب النجاح لأي تغيير ما دام المواطن لم يتغير.
كيف سينجح الإصلاح الوزاري إذا لم نثقف المواطن العراقي على احترام القانون والنظام العام. كيف سيتم تطوير قطاع الكهرباء اذا لم يثقف المواطن العراقي على أهمية دفع فاتورة الكهرباء , وكيف سيتم تطوير مصلحة اسالة الماء اذا لم يثقف المواطن على أهمية دفع فاتورة اجرة الماء الذي استخدمه ؟ وكيف سيتطور القطاع الزراعي اذا يبقى الفلاح جاهلا للطرق الزراعية الحديثة. ان المواطن ما زال يخرق قوانين الدولة دون الاكتراث الى نتائج هذا الخرق وكان من المفروض بمنظمات المجتمع المدني تثقيف المواطن عن مخاطر خرق القانون على نفسه وعلى عائلته. بالأمس تم الكشف عن 50000 عسكري فضائي ولكن هل انتهت هذه المشكلة الان؟ الجواب لا. الكل يعلم ان هناك طبقة من الفضائيين بين موظفي الوزارات , وما زال المواطن يعمل بكل جهده بحلب الحكومة بكل الطرق القانونية والغير قانونية ,. قبل يومين فقط كشفت الجهات المختصة مجموعة من المواطنين يستلمون رواتب تقاعدية لا يستحقونها منذ عام 2009 , وان هناك عشرات الالاف من المواطنين يستلمون حصة البطاقة التموينية لناس اموات او غير موجودين .
لا نستطيع سرد جميع خروقات القانونية التي يقوم بها المواطن العراقي عن دراية او غير دراية , لأننا سوف نحتاج الى مجلدات , ولكن ملخصها ان المواطن العراقي يحتاج الى ثقافة احترام القانون , لان بدون احترام القانون لا يكتب النجاح لأي اصلاح سياسيي . الإصلاح السياسي سوف ينجح فقط عندما يقوم الموظف الحكومي بإنجاز معاملات المواطنين بدون تأجيلها , والإصلاح السياسي سوف ينجح فقط عندما يحترم سائق السيارة قوانين المرور , والإصلاح السياسي سوف ينجح عندما يحترم الطبيب مريضه ويتعامل معه كانسان لا زبون , وسوف ينجح الإصلاح عندما يحترم المواطن الكادر الصحي في العيادات والمستشفيات لان عندما يهان الطبيب او الممرض انما يهان رمز من رموز العلم في البلاد .
فالدعوة الى الإصلاح السياسي حتى وان كانت دعوة صميميه لا يكتب لها النجاح ما لم يوجد مواطن متسلح بالوطنية واحترام القانون , وفي ظل غياب هاذين الشروطين فان كل دعوات الإصلاح مصيرها الفشل والنسيان ومضيعة للوقت .
مقالات اخرى للكاتب