في عموده الأسبوعي "تغريدة الأربعاء" كتب الشاعر والأديب إبراهيم الخياط مقالة تحت عنوان " إلى متى يا بغداد"، متسائلا بحرقة عن سبب صمت بغداد عن العشرات بل المئات من المجازر والكوارث التي حلّت بأهليه منذ أن مُصِّرت قبل ما يقارب الـ 1250 سنة أثناء حكم الملك العبّاسي أبو جعفر المنصور وليومنا هذا. وقد قسّم الكاتب الكوارث والنكبات التي حلّت ببغداد وفق قرائتي لمقالته الى ثلاثة أشكال من الكوارث والنكبات، منها التاريخية ومنها السياسية ومنها ما يتعلق بتصرفات الرعاع والغوغاء أثناء إنعدام الأمن لأي سبب كان إن كان عمدا أو من دون عمد.
فالنكبات التاريخية بدأها الكاتب من حصار وإحتلال هولاكو لبغداد ومقتل ما يقارب المليون بغدادي وفق كتب التاريخ، وبعدها نكبتها "بغداد" على يد تيمورلنك والذي قتل وفق كتب التاريخ أيضا والتي ذكرها الكاتب ما يقارب مئة ألف بغدادي خلال يومين فقط، ناهيك عن الدمار الذي لحق المدينة خلال النكبتين وتدميرها. ولم تقتصر النكبات التاريخية في بغداد على عهد معين، ففي أثناء الصراع الصفوي العثماني والذي بدأ بعد تأسيس الدولة الصفوية العام 1501م على سبيل المثال لا الحصر كانت بغداد بوجود مراكز الاستفزاز الشيعية في الكاظمية والسنية في الأعظمية، مسرحا لصراع الدولتين ليدفع البغداديون ثمن ذلك الصراع السياسي ذو اللبوس الطائفي مئات الالاف من أبنائهم لحين إنهيار الدولة الصفوية.
أما النكبات السياسية التي حلّت ببغداد فقد بدأها الكاتب بأم النكبات والمجازر والكوارث التي فتحت باب العراق على مصراعيه لتدخل من خلالها الريح السوداء التي لم تتوقف على حرق البلد لليوم، وذلك في الثامن من شباط الاسود الذي قُتِل فيه الالاف من خيرة نساء ورجال بغداد على يد أعضاء دواعش البعث حينها. ولينتقل الكاتب الى كوارث ما بعد أنهيار البعث والتي قادها البعث المجرم نفسه وليدفع البغداديون هذه المرة ثمنها عشرات الالاف من أبنائها في حمامات دم ليس هناك في الافق ما يشير الى نهايتها.
إن الكوارث في الحقيقة شملت كل التراب العراقي وفي مختلف العهود ولكنني تحدثت عن بغداد فقط كون مقالة الكاتب الخياط جاءت على شكل سؤال لبغداد المدينة على الرغم من أنه يعني بها العراق بالتأكيد، كوني أريد أن أتحدث عن نكبة منظمة قامت بها أجهزة سلطة فاشية ورعاع همج من أبناء نفس الرعاع الذين أغاروا على محلات وبيوت يهود بغداد في العام 1941 ، ليسرقوا وينهبوا ويقتلوا ويهتكوا الأعراض أمام أعين السلطة التي شاركتهم "فرهودهم" وليجبروهم بعد ذلك على مغادرة بلدهم الى الدولة العبرية وهي نكبة الكورد الفيليين.
لقد بدأت نكبات وكوارث الكورد الفيليين في عهد البعث المجرم منذ العام 1970 عندما أقدم هذا النظام الشوفيني بتهجير عشرات الالاف من أبناء هذا المكون العراقي الأصيل الى أيران مع سماحه لقوة أيران الشاه حينها للمهجرين ببيع ممتلكاتهم ونقل أموالهم معهم. أما في العام 1980 وعشية إندلاع الحرب العراقية ألأيرانية ولضعف أيران التي كان شعبها للتو قد أنتصر في ثورته فأن عملية تهجير الكورد الفيليين كانت قاسية جدا حتى وفق حسابات المجرمين والقتلة. فالنظام البعثي لم يكتفي بتهجير مئات الالاف من الكورد الفيليين ومصادرة كل ما يملكون ورميهم على حدود البلدين بملابسهم فقط، بل توجّها بتغييب وأعدام ما يقارب الثمانية آلاف شابّة وشاب كوردي فيلي من مختلف الأعمار منهم صبية صغار وأطفال تم إعدامهم مع ذويهم.
بدأ النظام بعد تهجير العوائل الكوردية الفيلية بعرض ممتلكاتها للبيع لجلاوزته وللكثير من ضعاف النفوس، عدا سرقة آلاف الدور والمحال التجارية من قبل الجيران وأبناء المحلة في عملية فرهود أكثر بشاعة من فرهود يهود العراق، كون أموال يهود العراق لازالت لليوم محفوظة بشكل أموال مجمدة، أما أملاك الفيليين فقد صادرها نظام البعث ولايعيدها النظام الاسلامي الحالي الا بعد أن يدفع الكوردي الفيلي أموالا لمغتصبيها!
كنت أتمنى أن يعرج الكاتب والشاعر أبراهيم الخياط في تغريدته الأربعائية على نكبة الكورد الفيليين و"فرهدتهم" من قبل السلطة البعثية والغوغاء الذين أثبتوا ومعهم سلطة اليوم التي لم تعد الحق الى نصابه ولم تكشف اللثام عن مصير الالاف من شابّاتهم وشبّانهم، أن الفرهود لازال حلوا كونه مستمرا لليوم مع الكورد الفيليين الذين ملّوا من مراجعة دوائر السلطة دون جدوى، ولكن يبدو أن الفيليين قد سقطو سهوا من مقالة الكاتب.
أن بغداد لم تسكت على قتل أبنائها وفرهدتهم فقط بل أهملت خيرتهم فها هو الرصافي يعتب على بغداد بلسان كل المنكوبين و "المفرهَدين" قائلا من قصيدة كلّها غرر...
ويل لبغداد عمّا سوف تذكره .......... عنّي وعنها الليالي في الدواوين
لقد سقيت بفيض الدمع أربعها .......... على جوانب واد ليس يسقيني
ما كنت أحسب أني إذ بكيت بها .......... قومي، بكيت بها من سوف يبكيني
أفي المروءة أن يعتزّ جاهلها .......... وأن أكون بها في قبضة الهون
وأن يعيش بها العضروط ذا شمم .......... وأن أسام بعيشي جدع عرنيني
مقالات اخرى للكاتب