العراق الحالي بلد فقير في كل شيء إلا ما ندر. انه فقير في العلم والادب والمعرفة والاقتصاد والسياسة والاهم من ذلك انه فقير في الصفات المتحضرة والسلوك المتمدن.
في العهد الملكي مع عيوبه كانت في العراق عقول ذات خبرة علمية وادارية وضعته في مكان لائق بين الامم. كان التدَرج في الوظائف لنيل الخبرة شرطا للحصول على وظيفة عالية إداريا. فالمتصرف (المحافظ) ليكون كفؤا يجب ان يخدم لسنين كمدير ناحية ثم كقائم مقام قبل ان يكون متصرفا وغالبا ما كان الوزير متصرفا سابقا. مثال صارخ على الفوضى الإدارية الحالية ان يكون السيد على العلاق محافظا للبنك المركزي بدلا من الدكتور الخبير الاقتصادي سنان الشبيبي.
في المؤسسات العسكرية يتدرج الضابط لسنين طويلا ليصل الى رتبة فريق ركن وعمره لا يقل عن 60 سنة بينما الان لدينا فوح من هذه الرتبة جلَهم من المراهقين عسكريا.
بعد الحكم الملكي تدهور التعليم من الابتدائي الى الجامعي بسرعة وغدت جامعاتنا يديرها فليلو او عديمو الخبرة وانتشر التدريس الخصوصي وتكرار الامتحانات للراسبين الى ان ينجحوا. التدرج في المناصب التدريسية من معيد الى مدرس الى أستاذ مساعد الى أستاذ حل محله امر الوزير بتعيين قريبه أستاذا او عميدا او رئيسا لجامعة حتى وان كانت شهادته مزورة.
في الاقتصاد غاب التخطيط للمشاريع العمرانية والصناعية والخدمية والمصرفية مما جعل العراق بلدا فقيرا بالرغم من نفطه الوفير.
الادب الرفيع والمعرفة العالية والاعلام الرزين حل محلها فوضى من الالقاب لكل من استطاع ان يكتب سطرا او يقرأ سطرا. المهرجانات تقام كل يوم لتكريم فلان لأنه كتب كرَاسا بائسا او نظم ديوان شعر هزيل.
الطائفية السياسية كانت هادئة في العهد الملكي مع غبنها للأكثرية الشيعية لان اغلب السياسيين وضعوا مصلحة البلد قبل مصالحهم وقبلت الاكثرية بالغبن من اجل ذلك. الطبقة السياسة الحالية عديمة الخبرة والذمة همها جمع المال ونشر الفساد الاداري والمالي لتحقيق ذلك. جلهم من عديمي الجاه والعلم والمعرفة يتخبط في الرئاسات الثلاثة وتوابعها شعارهم اسرق المال العام قبل ان يسرقه غيرك.
العراق بلد قبلي وعشائري يتبجح اهله بمفاهيم كاذبة مثل الشهامة والنخوة والكرم والطيبة وكلها تغطي على اضدادها المعيبة السائدة في المجتمع. الذين حكموا البلد في العهد الملكي استطاعوا الحد من الكثير من السلوك القبلي والعشائري العنيف الجاهل بتنصيب رؤساء العشائر نوابا اوفي مجلس الاعيان ولكن بدون سلطة فعلية وساقوهم كالبقر ليصوَتوا (موافج).
الفقر في السلوك المتمدن والصفات المتحضرة عند سكان الوسط والجنوب اقل درجة منه في بقية انحاء العراق بسبب البيئة الزراعية التي توفر العيش ولو بدون رفاه والميل الى الغناء وتبادل الطرائف.
الطبقة السياسية الحالية جاءت نتيجة لانتخابات جرت على اساس قومي وطائفي وعشائري ما يفسر السلوك المعيب للغالبية العظمى منهم. انهم يتصرفون حسب مقولة انصر اخاك ظالما ومظلوما وليس للدفاع عن الحق المشروع او تحقيق العدالة.
التصرفات الشاذة والشعارات الطائفية البذيئة التي ردِدتها العشائر الغربية بنشوة وفخر وتهديد تعكس مدى التأخر المعرفي والحضاري لهذه الجماهير التي تفتخر بكونها متخلفة في كل شيء.
السياسيون من هذه العشائر ومن غيرها في اماكن اخرى من العراق يلبسون السترة والبنطلون بدلا من الدشداشة والعقال ولكن بقيت عقولهم تسيَرها مفاهيم قبلية وعشائرية حتى بعد ان حصل قسم منهم على تحصيل علمي. التجمعات القبلية والعشائرية تسودها مفاهيم الثأر والقسوة وعدم توازن العقاب مع الذنب بدلا من التسامح والعطف والعدالة.
هذه المفاهيم موجودة في المدن حتى بين المتعلمين وذوي الشهادات ولكن بدرجة أخف بسبب الخوف من النتائج. البلد الذي تحكمه عقول شعارها (الهوسات) القبيحة والرقصات الهمجية اقرا عليه السلام.
مقالات اخرى للكاتب