بسم الله الرحمن الرحيم
كثر الحديث في السنوات الاخيرة عن الاحياء العشوائية التي زادت بنسبة كبيرة جداً ، لاسيما في المحافظات الوسطى والجنوبية من العراق . . . وتأثيرها السلبي المتزايد على الحياة والنظام الاجتماعي الخاص بها . . . ومخاطرها على مستقبل العراق وازدهاره . . . دون أن تأخذ حيزاً في الخطط التنموية للدولة وفي سياسات الحكومات العراقية المتعاقبة التي تلت سقوط النظام عام 2003 م ، ومعالجة هذه الظاهرة غير الانسانية التي تخص شريحة واسعة من المجتمع العراقي يقدر عددها بأكثر من ( 6 ) ستة ملايين انسان حسب الاحصائيات المهمة التي أعدها الجهاز المركزي للاحصاء في وزارة التخطيط العراقية .
والعشوائيات في العراق . . . هي تجمعات سكانية من العوائل العراقية المعدمة والفقيرة نشأت في غياب التخطيط العام وخروجاً على القانون وتعدياً على أملاك الدولة ، وغير مستوفاة للشروط البيئية والعمرانية والصحية ، وبالتالي فانها تكون مناطق محرومة من كافة انواع المرافق والخدمات الاساسية الضرورية مثل : المياه الصافية ، والكهرباء ، وشبكات الصرف الصحي ، والطرق ، والمراكز الصحية والخدمية ، والمدارس ، والمواصلات ، ودوائر الشرطة . . . ونتيجة لحرمان السكان من الحد الادنى اللازم للمعيشة تنتشر بينهم الامراض المتوطنة ويتفشى الجهل وتسود الامية ، وتنتشر جميع انواع الجريمة ، وتتوطن بها الفئات الخارجة على القانون ، وبذلك تصبح مصدراً للتطرف والعنف والارهاب . . .
ومن المؤسف ان الحكومة العراقية السابقة استغلت معاناة سكنة الاحياء العشوائية وظروفهم المعيشية الصعبة لأغراض انتخابية من خلال تمليك بعض قطع الاراضي المشيدة عليها المساكن العشوائية ـ الرديئة في بنائها ـ الى ساكنيها . . . بحجة رفع المعاناة عنهم . . . دون الاخذ بنظر الاعتبار ان هذه العشوائيات تفتقر الى أبسط خدمات البنى التحتية الضرورية لحياة الانسان .
إن تمليك بعض قطع الاراضي المشيدة عليها المساكن العشوائية الى ساكنيها ، على الرغم من عدم توفر الخدمات الضرورية المشار إليها أعلاه . . . يعني تركهم يعانون من ازمات اجتماعية وثقافية وانسانية وبيئية وصحية وخدمية لسنوات قادمة غير معلومة ، دون تحسين أوضاعهم وظروفهم المعيشية ، وتوفير السكن الصحي الملائم والمناسب لهم ، والتخفيف من حال الفقر والعوز ، واحترام القيم الانسانية التي تعتبر الاساس في عملية البناء والتطور .
ان عدم الاهتمام بهذه الشريحة الواسعة من المجتمع العراقي سكنة العشوائيات وانصافهم وايجاد الحلول اللازمة والبديلة لهم ، وتجاهلهم خلال السنوات الماضية ، يؤدي الى مخاطر أمنية واجتماعية متزايدة في المستقبل ، نتيجة شعورهم بالظلم الاجتماعي والتهميش وزيادة الاحساس بالعزلة والاغتراب عن المجتمع . . . وكان ينبغي على الحكومات السابقة أن توفر لهم أماناً افتقدوه وكرامة حرموا منها ومستقبلاً لاطفالهم يبحثون عنه وهم بين ظهراني بلدهم العريق في حضارته والغني بخيراته ، بدل ان توصد الابواب دونهم بعد ان ضاق عليهم الخناق في وطنهم .
وما قامت به الحكومة العراقية السابقة من تخصيص مليارات الدولارات من أموال الدولة لانشاء مشاريع سكنية غير مخصصة لاحتياجات العوائل الفقيرة من سكنة العشوائيات ، كمشروع مدينة بسماية السكنية الضخمة وبحجم ( 100 ) مئة ألف وحدة سكنية وحصرها في منطقة من ضواحي العاصمة بغداد ، والمشاريع السكنية التي تنفذها وزارة الاسكان وغياب العدالة في توزيعها بإعتماد نظام المحاصصة الحزبية المقيت . . . يفقد قطاعات واسعة من المجتمع العراقي الاستفادة من هذه الاموال لانشاء مدن سكنية عصرية واطئة الكلفة ، لاسيما في المحافظات الوسطى والجنوبية من العراق ، لتكون بديلاً حضارياً للاحياء العشوائية .
ان تأجيل ايجاد الحلول اللازمة والضرورية للعشوائيات لفترة غير معلومة ، التي تواجه ظروفاً وأوضاعاً انسانية صعبة ، سيزيد من معاناة سكانها وتفاقم مشكلاتهم . . . وسوف تتحول هذه العشوائيات الى بيئة خصبة تحتضن عناصر الجريمة والتطرف والارهاب ، وحاضنة لامراضٍ خطيرة لم تتوقف عند حدود هذه العشوائيات ، وانما ستنتشر الى المدن العراقية ، وبذلك تنقلب هذه الاحياء من مشكلة بناء عشوائي الى مشكلة أمن واستقرار حاضر العراق ومستقبله
مقالات اخرى للكاتب