ضمن تواتر الأخبار الأمنية، وتسارع العدّ التنازلي للانتخابات، يكون من اليأس متابعة قضايا خارج هذا السياق، بل الخوف أن تستغلّ مثل تلك المتابعات- وعلى أهميتها- كحجج للمناكدة والتزاحم السياسي، وهي علّة تصيب الدولة في صميمها، وتؤخر نموها، وتجعلها وسيلة!.
قبل أيام توقفت عند خبرين مهمين يخصان وزارة التربية والتعليم، يصلحان لنقاش مشاريع "الدولة"، أكثر من خطّة الحكومة؛ كدليل على دقّة التشخيص المذكور آنفاً، فبعض الوزارات تحاول إخلاء ذمتها أمام "الدولة" من مسؤولية الإخلال بالتخطيط الحكومي. وفي حدود هذا التوصيف أكدت (التربية) في الخبر الأول، إن حكومات 14 محافظة تعاملت ب"إهمال وتقصير" مع قضية بناء مدارس مقترحة وفق خطتها للموازنة الاستثمارية المصروفة للمحافظات ووزارتي الإعمار والصناعة، مبينة حجم معاناة طلبتها بسبب قلّة عدد الأبنية، إذ تشغل أربع مدارس بناية واحدة ببعض المحافظات، إضافة لوجود مئات المدارس الطينية المنتشرة بأرياف ومناطق نائية.
من خلال الخبر أعلاه، وبسهولة، يمكن كشف مستوى الكارثة التعليمية، فبإمكان أي متابع مراجعة المنشور من خطط وزارة التربية، والقرارات الحكومية المتعلقة بها، ولكي يصبح الكلام دقيقاً وبلغة الأرقام، سنجد أن وزارة التربية ومنذ سنتين وضعت خطتها الستراتيجية لحل مشكلة المدارس الطينية وفك ازدواج دوام الطلبة من خلال بناء عشرات المدارس الجديدة، علماً إن الحاجة الحقيقية تقترب من الـ 6000 مدرسة، في عموم المحافظات. ولضخامة هذا الرقم، وجّهت الوزارة ببناء 200 مدرسة خلال العام 2012.
ومن يتابع أخبار المنجز من هذا الكم المطلوب سيصدم بواقع تصريحات (التربية) التي أثبتت مؤخراً نسبة الصفر بالمئة من منجز 14 محافظة. والمحزن حين نطالع في الأخبار- وعلى سبيل المثال لا الحصر- أن مدرسة جديدة أنجزت في محافظة بغداد افتتحت قبل أيام ( في حي البنوك)، وبحسب تصريح السيد المحافظ:"هذه المدرسة تعد الأولى التي أنجزت في موعدها المحدد خلال270 يوماً".
لعلّ معاينة المشكلة بواقع التصحيح في 14 محافظة، سيحتاج لسنوات، قياساً والعدد المشار إليه، من الاحتياج الوزاري المعلن؛ لتداخل المسؤوليات بشكل ملفت للنظر، حتى يصبح من المنطقي تصريح وزارة التربية (التنبيهي) رغبة منها (ربما) لتدارك مشكلة تتعدى موضوع الأبنية المدرسية، وما توفره من استقامة عملية وتربوية، إلى معضلة عدم تفرّغ الوزارة لاعتماد مناهج علمية وحديثة في التربية والتعليم، وفق أولويات خططها.
بالتأكيد إن دراسات جادة لمعاينة تلك المشكلة، وحدها، ما سيبين وبدقّة مأساة الواقع التعليمي المحلي، وليست إشارات عابرة لا يسمعها أحد!، وسط ظروف وتداخلات مريرة، والدليل على هذا القول، واقع الحال؛ إذ أضع خبرين للمعاينة، فيضيق المُتسع لنقاش خبر آخر مهم، عن إقرار نيابي الشهر الماضي، لمقترح وزارة التربية بتقديم منح مالية شهرية، ستساعد تلاميذ وطلبة المدارس على تأمين الاحتياجات المدرسية.. وبانتظار التنفيذ، للحديث بقية، وبقية!.
مقالات اخرى للكاتب