تستحق المرحلة الحالية التي نجتازها ان يطلق عليها زمن تمييع القضايا المصيرية وركنها للنسيان رغم الاهمية الحيوية وما يترتب على هذا الفعل من الاثار الضارة والمؤذية .وقد تتابع بحثنا في اوضاع الجهاز المصرفي في العراق الى درجة نخشى فيها ان تصل بالقارئ الى الضجر والملل . الامر حيوي ، وبدأت نتائج تدهوره تضرب بالعمق بعد ان عزف الجمهور عن التعامل مع المصارف التي تراجع اذاءها للاسباب العامة والاخرى الذاتية التي لا نريد ان نعود لها . واصبح واضحاً ان تناول اوضاع الجهاز المصرفي العراقي بهذا الشكل وكما تعرضه يومياً وسائل الاعلام ، هو ما يزيد في تفاقم الازمة بعد ان اختلطت المفاهيم وكشفت اسرار ووسائل مهنة الصيرفة بما لم يعد بالامكان اعتماد ما يطرح من برامج إصلاح مقبولاً ومقنعاً لجمهور المتعاملين . ولو انحصرت صيحات المطالبة باصلاح الجهاز المصرفي بالحدود المعقولة والواقعية لهان الامر ، الا ان ما حدث هو وضع الجهاز برمته على طاولة التشريح ليمسك كل مبضعاً يمزق به هذه الناحية او تلك من الجسم . وهنا ضاع الجانب المهم وهو الغاية من هذا التشهير بالجهاز ان كانت هناك نيه صادقة في البحث ، لتصف العلاج بجانب المثالب والنواقص والسلبيات .واذا جاز لنا ان ننصف انفسنا قبل طلب الانصاف من الاخرين ، نقول باننا قدمنا ومن خلال رابطة المصارف الخاصة في العراق ومنذ سنوات عدة افكاراً ومقترحات للعلاج ، خاصة بعد ان تعرضت عدة مصارف لاخفاقات نتيجة الاختراقات والانحراف عن الاداء المصرفي السليم . واليوم تمس الحاجة بشكل كبير ومصيري الى ان تعالج حالة الاخفاق المتداعيه في الجهاز المصرفي العراقي ، ليساهم في ردم الهوة المالية التي تتدحرج اليها البلاد وكذلك الفجوة التمويلية وما يمكن وضعه امام المسؤولين في السلطات المختلفة هو ان تتولى وزارة المالية مهمة تنفيذ برنامج المعالجة وذلك بالتدخل المباشر في دعم مجموعة من المصارف الخاصة التي ترى فائدة في اسنادها ، عن طريق المساهمة في زيادة رؤوس اموالها باسهم تستحوذ عليها الوزارة او المؤسسات التابعة لها مثل المصارف المتخصصة وشركات التأمين ، وهو ما يسمح لها بالمشاركة في الادارة ، مما يساعد في ايقاف حالة الهلع التي ركبت الجمهور ليعود بطمأنينه للتعامل مع المصارف بالايداع فيها بعد ان يجد في مشاركة الحكومة بملكية هذه المصارف الضمان الاكيد لامواله .
لا يجدر بنا ان نغفل حقيقة مهمه وهي ان حجم ودائع القطاع الخاص لدى الجهاز المصرفي بشقيه الحكومي والخاص لا يتجاوز ( 20 ) ترليون دينار وتعادل بالكاد حوالي ( 20 ) دولار امريكي لدى المصارف الحكومية ( 60% ) و ( 40% ) لدى الخاصة . ولكي ندرك بوعي اين نقف نحن وعلى ماذا نعول اذا ما قارنا هذه الودائع مع حجم الودائع في المصارف اللبنانية الذي يتجاوز ما يعادل ( 170 ) مليار دولار امريكي وكذلك في مصر حيث يتجاوز ( 180 ) مليار دولار امريكي . كيف سيساهم الجهاز المصرفي العراقي في تمويل الانشطة الاقتصادية المختلفة والتي لا تكفيها خمسة اضعاف الودائع لدى المصارف اذ ما وضعنا امامنا الحالة التي نحن فيها من الحاجة الملحة لاعادة بناء البلاد . ليس كثيراً ان تمارس وزارة المالية مهامها في ادارة الوضع المالي في العراق لتتدخل لمعالجته على غرار ما تفعله الدول الاخرى الكبيرة والصغيرة ومنها بريطانيا التي تدخلت فيها وزارة الخزانة وقامت باسناد ( رويال بنك اوسكوثلاند ) الذي سرعان ما عاد اليه زبائنه باموالهم بعد ان علموا بان الحكومة تمتلك حصة في البنك وهذا هو اقوى ضمان للمودعين .
مقالات اخرى للكاتب