منذ فترة وأنا أعتزم كتابة تعليق على ما كتبه الشيخ إسماعيل مصبح الوائلي في سلسلته التوثيقية المعنونة (أنا والسيستاني كتاب مفتوح)، والتي توقفت عند الرسالة السادسة من تلك السلسلة، وأتمنى أن يكون هناك المزيد منها في القادم من الأيام. أقول أني عزمت التعليق على ما كتبه الوائلي في مقالاته، ولكني في كل مرة أتريث طلبا لمصدر أو تصريح من جهة أخرى محايدة، تاركا المجال أمام البحث والتحري للوقوف على النقاط الخطيرة التي كشفها الوائلي في مقالاته وخاصة تلك المرتبطة بتبعية المرجعية الدينية العليا للبريطانيين وانغماسها في تنفيذ المشاريع والمصالح البريطانية، بعد أن تقوم لندن باختيار تلك المرجعية ومساعدتها في صعودها وأمتدادها الأفقي فضلا عن ضمان استمراريتها. وبقي الأمر على ذلك حتى وقفت على ما نشره موقع "ويكليكس" الأمريكي، عن أسرار تلك الزيارة المثيرة التي قام بها المرجع الديني علي السيستاني إلى عاصمة الضباب البريطانية، لندن عام 2004 في خضم الأزمة الخطيرة بين التيار الصدري ورئيس الوزراء في ذلك الوقت أياد علاوي. ففي الوقت الذي كانت القوات الأمريكية المحتلة تساندها قوات عراقية تطوق مدينة النجف الأشرف وتقصف مواقع من المدينة المقدسة، كانت بوصلة السيستاني تشير باتجاه لندن ورغم شهرتها بالضباب وعدم الرؤية كانت رؤية السيستاني واضحة وهدفه محدد له بدقة، بحسب ما تشير له وثائق ويكليكس غير قابلة للشك والجدل كونها مستلة من وزارة الخارجية البريطانية. حيث تشير الوثائق البريطانية التي نشرها موقع "ويكليكس"، ورغم أنها ليست بالجديدة، أن المرجع الديني نقل وسط أجواء أمنية مشددة، من مطار (هيثرو) الشهير إلى منزل خاص أعد له مسبقا وجهز بكافة الإحتياجات الضرورية واللازمة في مدينة لندن في أحد الأحياء الراقية فيها ويطلق عليه (فوكسال كروز). وتم أختيار مكان المنزل الذي أقام به المرجع الديني (السيستاني) بعناية شديدة، بحسب وثائق "ويكليكس" دائما، وذلك بالقرب من جهاز المخابرات البريطانية المعروف أصطلاحا بالرمز (M16) والمتعلق عمله بجمع المعلومات خارج المملكة المتحدة. وتشير الوثائق نقلا عن عملاء بريطانيين أشرفوا على نقل المرجع الديني، إلى أنه (السيستاني) كان يمشي من دون مساندة من أحد ودخل المنزل وهو يسير على رجليه من دون مساندة المرافقين له، مما يدل صراحة على أن المرجع الديني لم يكن مريضا على الإطلاق ولم يكن ذاهبا لعاصمة الضباب من أجل العلاج ولكن من أجل أمر آخر في قلب المرجع، وأصحاب الدعوة. وتتابع وثائق ويكليكس القول أن لقاءا سريا عقد في ذلك المنزل الذي كان يسكن فيه المرجع الديني، مع كبير جهاز المخابرات البريطانية (سير جو سوز) والذي كان يمد الحكومة البريطانية بالمعلومات السرية وخاصة تلك المتعلقة بمصالح المملكة الخارجية. وتقول وثائق ويكليكس بالحرف الواحد "إن اللقاء كان حافل بالمعلومات التي تلقتها المخابرات البريطانية من رجل الدين السيستاني والتي على ضوءها يمكن لبريطانيا رسم سياستها المستقبلية في المنطقة العربية بصورة عامة والعراق بصفة خاصة، في الوقت نفسه رمي بعض التوجيهات التي تأمل (بريطانيا) تنفيذها من قبل السيستاني الذي يكن بولائه لها". الوثائق التي نشرها موقع ويكليكس دحضت بمجملها العام الادعاءات التي سيقت في ذلك الوقت أن السيستاني ذهب إلى لندن لغرض العلاج، مؤكدة أن المرجع الديني "لم يكن بحاجة إلى مساعدة من أي أحد سواء مرافقيه أو مستقبليه حيث توجه لصالة الاستقبال ماشيا على قدميه، بعباءته العربية وعمامته الدينية التقليدية لتخرج فحوصاته من مختبرات الفحص الطبي سالمة من أي أمراض". ما ورد من معلومات ساقتها وثائق ويكليكس، هي تأكيد لا يقبل الشك على ما كشفه إسماعيل مصبح الوائلي في سلسلته التوثيقية (أنا والسيستاني كتاب مفتوح)، بأن المخابرات البريطانية هي من يعين المرجع الديني، وتبقى تتحكم بتلك المرجعية لخدمة المصالح البريطانية. الوائلي أكد في مقالاته أن تعيين المرجع الديني الأعلى لا يتم وفقا لموازين وشروط أساتذة وفضلاء الحوزة الدينية في النجف الأشرف، بل يتم وفقا لشروط وموازين خاصة بمؤسسة الخوئي الخيرية التي مقرها في لندن. حيث بين الوائلي أن أختيار المرجع الديني الأعلى يتم من خلال مؤسسة الخوئي الخيرية التي صنعت من أجل ذلك على يد المخابرات البريطانية، مستشهدا (الوائلي) بما ورد في الكراس التابع للمؤسسة والتي تشير فيه المادة الخامسة من قانون تأسيسها على "انتخاب المرجع الأعلى للمذهب الشيعي الجعفري الاثنى عشري بنسبة لا تقل عن الثلاثة أرباع أعضاء الهيئة المركزية للمؤسسة، ويتم بعد ذلك ـ حسب الظاهر- تبليغ المرجع بتعيينه مرجعا أعلى". وبالتالي ما يقال عن أختيار المرجع الأعلى وفقا للأعلمية العلمية والإجتهادية إنما هي ضحك على ذقون عامة الشيعة. وثائق ويكليكس ومقالات الوائلي تؤديان في المحصلة النهائية إلى نفس النتيجة وهي أن المرجعية الدينية العليا إنما هي صنيعة المخابرات البريطانية وتخدم مصالحها وأغراضها في المنطقة، وبالتالي لا يستطيع أي مرجع أن يحيد عن الخط المرسوم له خاصة أنه يوافق على الشروط التي توصله للمرجعية العليا والتي حددتها مؤسسة الخوئي الخيرية. لقد بات من المحتم أن نسمع رأي المرجعية العليا على ما كشفته وثائق ويكليكس ومقالات الوائلي ولزاما عليها أن تظهر على الملأ لتبين حقيقة ما يجري ويساق حولها، فالتزامها الصمت حتى اللحظة يعطي المصداقية لكل ما يقال عنها وعن تبعيتها المشبوهة، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق وعليها أن تخرج فورا من قمقمها إلى العلن لتبيان حقائق الأمور، أنصافا وأنحيازا لما تبقى من كرامة المرجعية.
مقالات اخرى للكاتب