تعمل القيادة الكردية- البرزانية والطلبانية- بصمتٍ، وفعالية، متبوعة- بغطاء أميركي، وتغاضي روسي أقرب للموافقة منه إلى الرفض، وموافقة إيرانية معززة بتقديم المشورة، وتحفظ عربي خجول، ورفض تركي، على إثارة ونشر الإنقسام العمودي بين الشعب (التركماني) وفق مذهبية "سُني" و"شيعي"، وإنقسام أُفقي عددي بين "أكثرية كركوكية"، و"أقلية بغدادية" وأُخرى "موصلية" تصادر جغرافية التوزيع التركماني في "أربيل".
لم يغفل "المشروع- المؤامرة" تقسيم التركمان سواءً على الأرض أو في المهجر، أي بين أهل الداخل وأهل الخارج.
يتضح من هذا المخطط أن من يقف خلف بعض التفجيرات الأخيرة التي عصفت بالعراق خصوصاً "بغداد" و"كركوك" الأكثر إستهدافاً هي مليشيا "البيشمركَة" الكردية التي أرسلت نخبها الفتنوية لحماية مكاتب الحكومة في قلب "المنطقة الخضراء" وضبط الأمن المنفلت، وحفاظاً على كرسيه ومنافعه وافق "نوري المالكي" دون نقاش، سعياً منه لتأجيج صراعٌ "عربي سني- كردي سني" يخفف عنه عبء معارضيه "الشيعة". ويدفع بالأكراد للتمسك به وبحكومته بدل إنسحاباتهم المتكررة منها كسباً لمنافع جديدة إغتنموها على حساب "كركوك" بعربها وتركمانها خصوصاً.
التركمان سيخوضون بفعل التفجيرات الأخيرة التي طالتهم صراع جديد غير تقليدي في مواجهة المليشيا الكردية في أكثر من جغرافيا عراقية. سيما وأن المرحلة التي تواجهها "كركوك" مدينة الذهب الأسود يتقاسم فيها الألم والظلم والقتل والخراب كل الكركوكيين، فهل يساوي هذا أو يوجب وحدة الساسة التركمان أم هو يبرر إنقساماتهم. وإذا كان كل هذا الخراب والألم لا يوحدهم فمن يوحدهم وكيف يأتمنهم المواطن التركماني على مستقبلٍ غامض؟
إن إنقسامات "الساسة" التركمان التي تعول عليها الأحزاب الكردية وشبق بعض عناصرها للسلطة، يطرح سؤالاً حول إحدى شرعيتين: شرعية ما تناضل من أجله، أو شرعيتها .
هل الهدف من إطالة الصراع في كركوك ومن حولها كسب الوقت ريثما يتم تحضير المناطق الجديدة للصراع العربي- الكردي، والكردي- التركماني. وهل يتم في التجربة التركمانية تحضير العناصر اللازمة والضرورية للتجارب الجديدة؟.. من أين ستبدأ رحلة التغيير القادمة وهل تشمل الرجال أم الأحزاب أم جغرافيا النفط والغاز، وهل يُبقي التغيير على وحدة "كركوك" أم يمزقها ويعيد تشكيلها ثم يستلحقها برمتها أو جزءها الغني بالثروة بما يسمى إقليم كردستان، ويستثني جزءها الفقير ويضعه في قفص جغرافي جديد؟
الأحداث تتسارع وإن كانت في بدايتها في كركوك. إنها تغلي ومعها مشاريع التغيير. قليلها داخلي وأكثرها خارجي. تقسيم كركوك مطروح جدياً بوصفه حلاً لمستقبل لصراع الأكراد ضد العرب والتركمان. لن يطرح التقسيم الخارج. سيكون حلاً داخلياً مطلوباً في مرحلة ما قادمة. الأحداث تسير في هذا الإتجاه. الإرادة والقرار الدوليان مرتهنان بـ: (المصالح والنفوذ والنفط، وبالوطن الموعود لأكراد العراق والجوار، وباستدراج أميركا "روسيا" لمستنقع العراق ولوجاً من كركوك وإيهامها بوهم النصر في سورية). أما إيران وإسرائيل فتكتفيان بمقولة "هارون الرشيد": "أينما شئت أمطري فسيأتيني خراجك" .!
مستقبل العراق عموماً وكركوك خصوصاً مازال في بدايات تشكيله. وسيكون للتيارات الإسلامية بديلة الوطنية، والقومية دورها الأول ريثما تولد عناصر تغيير كبرى يتم توظيفها في اللعبة ومعها إستنزاف الموارد. فكلما زاد خزين كركوك الإستراتيجي من الثروات الباطنية إزداد سيل لُعاب الإخوة، والشركاء، والغرماء، والأعداء.
ليخجل الذين يتقاسمون المنافع والمستقبل من الشهداء الذين يعبدون أمامهم طريق الحكم بالدم ويتصارعون هم فيما بينهم على المواقع... اللهم إني بلغت اللهم فاشهد
مقالات اخرى للكاتب