عند سماع الأخبار المشؤومة لما حصل قبل أيام قليلة في سجن أبو غريب السيء الصيت ألا وهو الفرار الجماعي لأصحاب الكفاءات والخبرات في قتل العراقيين وتدمير العراق، وعند قراءة أرقام ميزانية العراق لعام (2013) والتي بلغت (138) ترليون دينار عراقي، حصة الأمن والدفاع فقط منها هي (19.86) ترليون دينار عراقي أي ما نسبته (14.37%)، يتضح مقدار العجز الإداري والمهني للمؤسسات الأمنية بالرغم من وجود الموارد المالية الضخمة المخصصة لها.
هذه العملية وبغض النظر عن إلقاء اللوم والتقصير على أي جهة كانت، فهي تدل وبشكل واضح على الضعف الكبير والأختراق الواضح والفاضح للأجهزة الأمنية والإستخباراتية والتشرذم بين قياداتها. ولا يجوز بأي حال من الأحوال إلقاء اللوم على أفراد الجيش العراقي الذين يعتبرون مدافعين عن السجن مرتكزين على المعلومات التي يحصلون عليها من الجهات الأمنية والإستخباراتية ذات العلاقة.
إن الغريب في الأمر وهو ما أكده عضو اللجنة الأمنية في المجلس المحلي لقضاء أبو غريب إن المواقع الالكترونية التابعة لتنظيم القاعدة كانت قد أعلنت عن الهجوم أو الغزوة ! قبل ساعات من تنفيذها!، إضافة الى أن تلك المواقع قد طلبت من أنصارها إقامة صلاة الحاجة والقنوت والدعاء في المساجد!!.. وهذا دليل أخر على ضعف الدور الإستخباري فيما يخص رصد ومتابعة تلك المواقع المشبوهة والتي يجب أن تكون خاضعة للمراقبة على مدار الساعة، حيث يعتبر ذلك من أولويات عمل الأجهزة الإستخبارية والتي تركز عليها الكثير من إجهزة الأمن في دول العالم، فكيف والعراق الذي يعتبر أكبر ساحة قتال مستمرة والذي يشهد الكثير من حالات القتل والتفخيخ والتفجير يومياً.
إن أمر هذه الغزوة ! لغريب فعلاً، حيث من غير المعقول إنها قد حصلت وكأن جميع الأجهزة الأمنية والإستخباراتية في سبات عميق، إذ تشير المعلومات إلى أن عامة أهالي المنطقة المحيطة بالسجن كانوا على علم مسبق بها قبل ليلتين من تنفيذها، ومنهم العبد الفقير المسكين (علوش)!!.، وللمعلومات فإن علوش ليس سوى بائع بسيط وصاحب (بَسطية) يفترش الأرض يومياً بالقرب من السجن، وإنه قد ترك بالفعل (بَسطيتهُ) بعد سماعه الأخبار، وبالمناسبة فإن (علوش) حاله حال الكثير من العراقيين الذين لا يزالون يفترشون الأرض لكسب رزقهم في العراق الجديد.
الطامة الكبرى في هذا الأمر إن أغلب أهالي المنطقة البسطاء قد تهيأ بالفعل لهذا الحدث الجلل!! فقاموا بالعديد من الإجراءات الإحترازية والتي تضاهي ما تقوم به أغلب الحكومات في الدول المتقدمة في حالات حدوث الكوارث والأعاصير والمصائب، عكس حكومتنا الرشيدة !! فقاموا بتخزين المؤن والوقود للمولدات تحسباً للطوارئ التي تعقب الهجوم بسبب تجارب سابقة مع حوادث مماثلة حصلت في السجن في السنوات الماضية. وهنا تكمن المصيبة حيث من غير المعقول أن يعلم علوش وجميع أبناء المدينة بذلك ويتخذون الإستعدادات للغزوى الكبرى!! والتي راح ضحيتها العديد من أبناء الجيش العراقي، والأجهزة الأمنية والإستخباراتية أخر من يعلم!! إنه تقصير واضح ومن العيار الثقيل ايضاً.
أما ردة فعل الأجهزة الأمنية وللعثور على الفارين فكان من أهمها مكافئة سكان القضاء بفرض حظر شامل للتجوال على جميع مناطقهم، ومنحت المؤسسات الحكومية والدوائر الخدمية إجازة مفتوحة، وإغلاق الأسواق والمتاجر، بالتزامن مع إنقطاع التيار الكهربائي بسبب إنهيار أبراج نقل الطاقة المحاذية للسجن أثناء الهجوم، وكذلك منع القوات الأمنية الأهالي من تشغيل المولدات الكهربائية الأهلية، وإجراء عمليات تفتيش واسعة نفذها الجيش شملت أكثر من 4800 منزل في المدينة مع تمشيط البساتين والغابات المحاذية للسجن كلفت خزينة الدولة ملايين الدولارات. والظاهر هنا أن الأجهزة الأمنية والإستخباراتية قد صَدقت بالفعل إنها غزوة !، وأعتقدت أن المهاجمين قد هجموا على السجن مستخدمين البعران!!، وأن الفارين من السجن سيستخدمونها للهروب من المنطقة، وفاتها إن الفارين قد أستقلوا سيارات حديثة الصنع كانت تنتظرهم على مسافة كيلومتر واحد فقط من السجن!.
وبغض النظر عن تلك الجهود الجبارة في العثور على بعض هؤلاء الفارين من عدمه، والذين بالتأكيد سوف ينتقمون من العراقيين أشد إنتقام بعد فترة نقاهتهم في السجن، وتلافياً لتلك الأمور وما يمكن أن يلي ذلك من أحداث قد لا تسر العراقيين لا بل حتى أعدائهم، فأني شخصياً أقترح تعيين (علوش) وزيراً للداخلية لما يمتاز به من حنكة إستخبارية وحس أمني عالي يجعلهُ في مصاف رجال الأستخبارات الأكثر ذكاءاً في العالم، لعله يحد من معاناة العراقيين وربما يكون المنقذ الأخير الذي يلجأون اليه... ولكن للأسف تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد خاب أملي وخابت أمال العراقيين أيضاً بعد توارد الأنباء بإلقاء القبض على (علوش) من قبل الأجهزة الأمنية والإستخباراتية للتحقيق معه بخصوص الغزوة !..... وهنا أقول لــــ(علوش) لا تيأس.. فنحن معك وقد عقدنا العزم إنه لا بديل عنك وخاصة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق وإنك الوحيد القادر على إنقاذ العراق والعراقيين من مخالب المتكالبين عليه.
على الجميع أن يعلم إن المؤسسات الأمنية والإستخباراتية العراقية لن يكتب لها النجاح في مواجهة الارهاب والقتلة في ظل الطرق التقليدية القديمة، ومن أبرزها نشر المفارز الأمنية في تقاطعات الطرق والشوارع والتي لا تزيد الامور إلا سوءاً ، وإنما بتوفر قواعد بيانات إستخباراتية يومية وأجهزة تنصت وكاميرات حديثة الصنع يُعتمد عليها وتقوم على أساس جمع ودراسة وتحليل المعلومات الإستخباراتية، وكذلك التعاون البناء والمثمر وبشكل مستمر بين المؤسسات الأمنية والجيش والدفاع من ناحية تبادل المعلومات الذي يصب في صالح تلك المؤسسات من جهة والعراقيين من جهة ثانية. وأيضاً بالإعتماد على قادة أمنيين مهنيين يستطيعوا النهوض بتلك المهمات. إذ إن من أهم أسباب زيادة حجم الجهل والكارثة الأمنية والإستخباراتية في العراق وتزايد وتيرة العنف بين فترة وأخرى، هم بعض هؤلاء الذين يشغلون تلك المواقع الحساسة والذين لاعلاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالأمور الأمنية وأنما هم من صنع ساسة اليوم والمحسوبية التي أبتلى بها العراق والعراقيون.
مقالات اخرى للكاتب