موازاة التأسيس الخطير لتخريب العراق من خلال مجلس الحكم الانتقالي الذي وضعه بطريقة وضيعة بول بريمر في تموز /يوليو 2003 وبعد ثلاثة اشهر من غزو العراق واحتلاله من قبل الأميركيين والبريطانيين، بدأ الغزاة بالعمل على تكريس هذا التأسيس المريض والبذر الخطير، ولكي يضعوا اطارا رسميا لمجلس الحكم الانتقالي وتجذير هذا التوجه فقد شرعوا في كتابة قانون ادارة الدولة، وهو المرض الاول في العراق، وكتب هذا القانون – البروفسور نوح فيلدمان وهو يهودي أميركي من اصل عراقي- وجاء مع المحتلين بصفة المستشار القانوني لبول بريمر، وهو متخصص بالإرهاب، كما أن بريمر متخصص بصناعة الإرهاب وله تاريخ طويل بالعبث باستقرار الدول.
تم الاتفاق على تقسيم العراق وتدميره بصورة أولية في مؤتمر لندن لما يعرف بالمعارضة العراقية سابقا الذي انعقد في شهر ديسمبر – كانون أول عام 2002، وشاركت فيه جميع العناوين التي تسلطت على العراق ونهبت ثرواته ودمرته بعد الغزو عام 2003.
اتفق هؤلاء على التقسيم الطائفي والعرقي ووضع اطار يسمح لهم بنهب ثروات العراق وتخريب وحدة البلاد الاجتماعية والجغرافية تحت مسميات الفدراليات والطائفية السياسية. وتم تكليف فيلدمان لصياغة الإطار الذي يسمح لهؤلاء بالحكم والتخريب والنهب، وهو ” قانون ادارة الدولة” الذي تم الإعلان عنه في نوفمبر – تشرين ثاني عام 2003، وجرت نقاشات كثيرة بخصوصه، وفي الوقت الذي حذرت القوى والشخصيات الوطنية من خطورة هذا المشروع وتداعياته المستقبلية على اجيال من العراقيين فقد كان جميع السياسيين المشاركين في العملية السياسية ومن التحق بهم من بعض سياسيي الداخل مع هذا القانون ويدافعون عنه بقوة، فبينما أدرك الوطنيون المخلصون خطورة ذلك وشهب النار الحارقة التي سيجلبها للعراق والعراقيين تلمس السياسيون حجم النهب والتخريب الذي يتيحه لهم هذا القانون، وهو الدستور المؤقت الذي يؤسس للمرحلة اللاحقة.
أن أي مراجعة للنقاشات التي جرت اثناء طرح قانون ادارة الدولة سيجد الجميع أن التيار المعارض له من الشخصيات والمفكرين الوطنيين إنما استندت في كل ذلك على حقائق علمية تشي بخطورة المرحلة المقبلة، كما يجد أن السياسيين المدافعين عنه إنما يدركون حجم المساحة التي يمنحها هذا القانون لتنفيذ سياسة الاقصاء للكفاءات والانتقام من العراق برمته وليس من طائفة أو رقعة جغرافية محددة، فقد كانت الأخطار في هذا المشروع ” الخطيئة” واضحة مثل نور الشمس في وضح النهار، وأنه في مجمله لا يخدم غير اصحاب المشاريع الضيقة والشخصية التي لا تمت إلى البناء والتنمية بشيء على الاطلاق.
تواصلت النقاشات لقانون ادارة الدولة حتى الثامن اذار – مارس 2004 ليتم اقراره من قبل مجلس الحكم الانتقالي سيء الصيت والسمعة والممارسات، وتم توجيه كل وسائل الإعلام من فضائيات وصحف وإذاعات للترويج لهذا القانون “الخطيئة” وتسابق سياسيون ومحللون لرفع هذا القانون إلى اعلى المستويات، وللأسف الشديد انطلت اللعبة على الكثير من العراقيين وقبلوا بالتهام المرض الأول وتشربوا بميكروبه القاتل.
مقالات اخرى للكاتب