لقد رغب إليّ أن أكتب في هذا الموضوع وذلك تلبية لنفسي مع إعزازي لأصحاب هذه الحقوق حتى أحرز قدراً من تصوري على المدى الذي يبلغ إليه بصري وحسب من ناحية الحقوق المقررة لكل إنسان يعيش في ظل المكانة المنشودة التي تكفل له حقوقه التي هي جوهر إنسانيته وإزدهاره بمكانته للنهوض بواقع أمته في هذا العصر الأليم.
فالإنسانية تردت في بعض المزالق التي تعترضها، وأصابها كثير من الهوان والإنحطاط الذي كاد ينسيها الأصل والوجهة من جانب أصلها العريق الدائم والوجهة الكريمة.
لا أنكر أن البشر جميعهم يختلفون في اللغة واللون على المستوى العام، لكن هذا الإختلاف لا يؤبه له، ولا يجرحه أو يضره أو يخدشه ما تقرر من التسوية في الحقيقة الإنسانية الأصلية التي أقرها الإسلام والديانات الأخرى التي أقرت بالتعارف لا بالتناكر والائتلاف لا الإختلاف، فلا يجوز التمييز بين الناس لفروق مفتعلة كي لا تضيع حقوقهم، فأنا لست أداة تبرير لحرمان الرعية من حقوق الإنسان، إنه العدل الذي يعبر عن الحقوق بدقة ولا نترك الضعفاء لكي يفترسهم الأقوياء، ولقد صدق أبي بكر (رضى الله عنه) حينما قال: القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، فهذا هو سياج الحقوق والضرورات الإنسانية.
أن الخمول الشنيع الذي نشاهده الآن من جانب الحقوق الضائعة للإنسان التي أصبحت ضائعة ومفلسة تنتهب وتمحى، ولقد خمدت هذه الحقوق في النفوس الإنسانية تحت وطأة الظروف الخانقة وخصوصاً في أمتنا العربية، فلقد تطور المجتمع الإنساني مع ازدياد الاحتياجات الملحة والضرورية اللازمة لتحرير طاقات الإنسان كي يبدع ويبهر في هذه الحياة، ستجد لهذا الإنسان حقوق يفرضها الدين، فتصبح حقوق ضرورية وشرعية واجبة لتحقيق (الحياة) الحقة للإنسانية الحقة، لهذا الإنسان، وذلك على النحو الذي يليق بكرامته وفكره الذي هو حافز للأمم على النهوض وهو الذي ينير للأمة طريقها كي لا تتعثر خطاها.
فموضوع حقوق الإنسان هو شائك ومعقد، فيختلط فيه الفكر بالموقف والفعل، وأصبح موضوعاً يشغل العالم الآن رغم ميثاق حقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م، وقد صدر هذا الميثاق تعبيراً عن الرغبة في وحدة البشرية ووحدة حقوق الإنسان في المجتمع الدولي، الذي قاسى من ويلات الحروب وكان تناسي حقوق الإنسان وإهمالها قد أفضى بأعمال همجية رغم وجود المنظمات الحقوقية والجمعيات الحقوقية والمؤتمرات الحقوقية، فهذا الميثاق دعا إلى توطيد وإحترام الإنسان وحرياته لضمان الاعتراف بحقوقه. فإن إدراكنا لحق الإنسان في مفهوم الأمة هو تجسيد لوحدة بني الإنسان سواء على إختلاف الأقطار أو الشعوب، فالرغبة الصادقة هنا هي الوفاء بمسئوليتنا تجاه المجتمع الإنساني من فضيلة وتطهير من الرذيلة، تعاون بدل من التنكر، إخاء بدلاً من العداوة، سلام بدلاً من صراع وحروب، حياة يتنفس فيها الإنسان معاني الحرية والإخاء، والعزة والكرامة والمساواة كي يستمتع الإنسان بنعم خالقه، وأن يكون باراً بالإنسانية التي تتمثل في أسرة كبيرة شديدة الإحساس بعمق ووحدة الأصل الإنساني، فالأسرة تعبر عن نواة المجتمع، محيطة بحمايته وتكريمه وتهيئ للمجتمع كل أسباب الاستقرار والتقدم للناس كلهم حتى في القيمة الإنسانية، فعلى المجتمع أن يوفر كل الفرص المتكافئة ليتعلم ويستنير منها كل إنسان وهذا ضمن حقوقه، وعلى كل فرد أن يختار كل ما يلازم مواهبه وقدراته التي من أجلها يعيش ويحيا لأمد طويل كي ينير الطريق أمامه، فالإنسان له حقوق يمتلكها كي يصبح كامل الإنسانية، فإذا نقص أي حق من حقوقه أصبح إنتقاص من إنسانيته. فإحترام الإنسان وإعزازه برفعته وكرامته هي أصول لا يختلف عليها أديان أو أجناس أو مذاهب. كثير من علماء الغرب والمفكرين يأخذون علمهم عن الإسلام وأركانه سواء عبادات أو شعائر أو معاملة، فهم لا يعرفون حقيقة الإسلام ومفاهيمه الصحيحة وأهدافه السامية، فالحقوق عندهم قررها الإنسان لنفسه من كرامة ومساواة وشورى وتكافل وتراحم.
لا شك أن قضية حقوق الإنسان لها أهمية كبرى في عصرنا هذا سواء على مستوى الشعوب أو الدول أو المنظمات الدولية أو الجمعيات الدولية الحقوقية، فتحتاج الكثير من المفاهيم والأفكار، بل الكتابة أيضاً فقبل أن أختتم هناك قضية اللاجئين وحقوقهم هي لب الموضوع هؤلاء الذين فروا من بلادهم بعد أن ضاقوا مرارة الحرب والقهر وفروا إلى بلدان أخرى يطلبون العون فقط ليس أكثر، لقد ضاقت بهم السبل إلى مغادرة بلادهم على أمل أن يعودوا يوماً ما. فمن حق كل إنسان مضطهد أو مظلوم أن يلجأ إلى حيث يأمن في نطاق الحق الذي يكفل لكل مضطهد أياً كانت جنسيته أو عقيدته، أو لونه، فمن الواجب توفير الأمن له من لجأ إليهم.
... إن الإنسان هو أكرم المخلوقات، وأنه الكائن الوحيد الذي تشرف بأن سواه الله بيده، فيجب أن نكرمه ولا نحرمه من حقوقه وواجباته وضروراته المفروضة على المجتمع فهذا تشريف للإنسان والإنسانية.
مقالات اخرى للكاتب