حلول فصل الشتاء كان يضع فقراء العراق في حرج شديد ، فاغلبهم لم يكن دخله المحدود قادرا على تلبية مطالب توفير ملابس تقي الأبناء والبنات برد الشتاء ، والحصول على قماش البازة المقلمة وتفصيلها دشاديش وبجامات ، يمنح رب الأسرة امتيازا لا يمتلكه الآخرون ، فيتعرض لنظرات الحسد ، وسيل من الأسئلة عن مصدر البازة وسعر المتر الواحد ، وهناك من يوجه الأسئلة والاستفسارات عن اسم الخياط او الخياطة ، ومجاملات "يكطعوها بالخير والعافية" ، وللاستفسار أسباب فليس بإمكان اي شخص الحصول على البازة ،في سنوات فرض العقوبات الاقتصادية على العراق بعد غزو الكويت ، ومن امتلك هذا الامتياز لابد ان يكون صاحب رأس كبير وله نفوذ ويمتلك علاقات مع مسؤولين عن الأسواق المركزية الأورزدي.
يوم توقف استيراد البضائع من الخارج فقد العراقيون "البازة الصينية " ، وارتفاع أسعارها في الأسواق التجارية جعل الكثيرين وخاصة الموظفين يطلبون إجازات زمنية للوقوف في طوابير أورزدي ، وسعيد الحظ من يحقق أمنيته ، وبعضهم يبيعها لام ستوري الدلالة الشهيرة الواردة في تخطيطات رسامي الكاريكاتير في الصحف الرسمية ، فانصب الغضب على "ام ستوري" وزميلاتها المقيمات قرب سياج الاسواق المركزية ، لشراء البضائع من الموظفين بمبالغ مضاعفة قد تساعدهم على شراء دجاجة او كيلو لحم لاعداد وجبة غذاء تكون لمدة شهر كامل محور حديث الاسرة ، فيتناسون الحاجة الضرورية الى "البازة " ويصدر قرار عائلي يقضي باعتماد القديم وتحويره بان تصبح ملابس الكبار للصغار ، وقلب بعضها على "البطانة " واحيانا تأخذ "الركعة " حيزها في ملابس يقتصر استخدامها داخل المنزل ، ولاضير ان شاهدها احد الاقارب او المعارف ، واحتفظ بسخريته لضرورات اللياقة والمجاملة والابتعاد عما يثير استياء الاخر بالاشارة الى عوزه وفقره و"دشداشته المركوعة"من الخلف .
في ذلك الزمن تحولت البطانيات وبخبرة الخياطين في منطقة الباب الشرقي الى قماصل ، اما الأحذية أجلكم الله فهي الاخرى في كل موسم تخضع لعمليات ترميم وتحديث ، وهناك من وظف خبرته فحول "البساطيل العسكرية " الى احذية خفيفة ، بقصها من الأعلى ، واستخدام أصباغ ثابتة لتغيير لونها الأسود الى اخر حسب الطلب ، والذوق العام استقبلها مضطرا لان الجميع يشتركون بصفة العوز وأمنية الحلم للحصول على قماش البازة للخروج بزي عائلي موحد بدشاديش مقلمة ، المتبقي منها يتحول الى مناشف صغيرة ، بعد غسل الأيدي من تناول المرق الخالي من اللحوم .
احتلت مفردة "داعش " نشرات الأخبار ، وتكرارها يتجاوز العشرات في الدقيقة الواحدة ، ولا يقتصر ذلك على الساحة المحلية ، فمع حلول فصل الشتاء وسط توقعات بان يكون قاسيا على المشردين والنازحين ، ارتفعت الأصوات المطالبة باستيراد الكرفانات ، بدل الخيم ، وتوزيع المساعدات الإنسانية والأدوية ، ومنها الدشاديش البازة المقلمة .
مقالات اخرى للكاتب