في كل يوم يقتل لنا شاب بعمر القاسم وفي كل يوم يقتل لنا شاب بشجاعة علي الأكبر , وفي كل يوم يقتل لنا مقاتل شهم مثل شهامة العباس بن علي على جبهات القتال. وكل يوم تزداد قائمة الثكلى من الأمهات والاباء ,الاخوة والاخوات , الزوجات والأطفال بفقد احبائهم . شهدائنا تركوا هذه الدنيا الفانية ولكن اخاديد الألم والاحزان التي يتركها فراقهم على وجوه وقلوب احبتهم ستبقى ما داموا أحياء. جرحانا ومعوقينا بسبب الاعمال الحربية سيكونون عنوان كرامتنا وشاهدا حيا على ما مر به العراق من ظلم الاقرباء والغرباء وغصة في قلوبنا وهم يتنقلون بواسطة الكرسي المتحرك والعكاز. نعم , لقد سجل ذوي الشهداء أروع آيات الصبر والكرم وحب الوطن . فمن يسمع الى أحاديثهم لا يشعر الا بالفخر والاعتزاز والاطمئنان على هذا البلد العظيم والدموع تهطل من العينين. وهل سمعتم كلمات المرحوم والد الشهيد مصطفى العذاري والذي يقول فيه "لقد استشهد ولدي فداء للوطن" , والى حديث أخيه وهو يقول "لقد تربى اخي على حب الخير وما أصابه الا الخير ". وهل سمعتم حديث ذاك الشاب النجفي الذي ودع امه وابيه يدعوهم الى الحزن على استشهاده سبعة أيام فقط؟ وهل قرأتم عن ذلك الشاب الشهيد الذي استشهد وهو بجوار والده بعد ان ارسلته امه لمعاونة والده في القتال؟ وهل قرأتم عن الشهيد مثنى الكلابي والذي كان أصغر من استشهد على جبهات القتال الذي تحنى بدم صدره؟
ثلاثة عشر ألف من الشهداء والجرحى والمعوقين من الحشد الشعبي , والاف أخرى من القوات المسلحة العراقية , والاف أخرى من ابطال البيشمركة وأبناء العشائر الشرفاء كل واحد منهم ثار لأجل العراق وثار من اجل دينه , مذهبه , ومن اجل كرامة وعزة العراقيين والعراقيات ومن اجل مستقبل مشرق ينعم به أطفالنا بالأمن والرفاه . هؤلاء من اختار جبهات القتال , يخطا من يقول انهم اتخذوا جبهات القتال طلبا للعافية . لا, لقد حملوا السلاح وتراكضوا نحو جبهات القتال لانهم وطنيون يحبون العراق ولا يهون عليهم ان يشاهدوا حرائر العراق تباع في أسواق النخاسة , والطفولة تقتل , وتراث العراق , وهو تراث البشرية , يدمر على يد بهائم بشرية ومرضى عقول. هؤلاء الابطال اهل خير اختاروا الشهادة على الهروب من الوطن والعيش الذليل بحجج واهية , او على الأقل ليست بوقتها . هؤلاء اختاروا العراق على عيش الذل والخيانة والعمالة لدول تعادي العراق الجديد وباخس الأسعار.
نعم لقد غادرونا من استشهد على جبهات القتال مع داعش ولكن صورهم , احاديثهم , وذكرياتهم سوف لن تغادر وجداننا . وهل ننسى ذاك الشيخ الثمانيني وهو متأبط رشاشته يقاتل بها أعداء الإنسانية حتى نال الشهادة؟ وهل ننسى علي ذلك الشاعر الشاب الذي اللهب حماس المقاتلين بقصائده حتى نال الشهادة؟ وهل ننسى ذلك الشاب الذي ترك مقعده في كلية الهندسة لمشاركة ابطال الجهد الهندسي برفع المتفجرات عن درب المقاتلين الشجعان؟ انها ملحمة بطولية ابطالها وشخوصها الفقراء والاغنياء , الكبار والصغار , الكردي والعربي , المسلم والمسيحي والايزيدي والشبكي , الشيعي والسني سجلوها في سجل الخالدين ولتكون عنوان الكرامة والشهامة العراقية ومصدر الهام للأجيال القادمة .
رحل الشهداء ولكن لم يرحلوا عن ذاكرة الاهل والأحبة. لقد تركوا ذكريات جميلة عند أهلهم وفي مدنهم , لان من يركض واضعا قلبه فوق الصدر لحماية الوطن لا يمكن ان تكون تضحيته لأجل مدينته او بيته الا اعظم . رحل الشهداء وتركوا زوجات بدون معيل , بعضهم لم يتمتع بعرسه اكثر من أسابيع , بعضهم كان المعيل الوحيد لذويه , وبعضهم ترك أطفال دون عمر السابعة , وبعضهم تتحضر عائلته ليوم عرسه . ما حال زوجة شهيد تنظر الى ما ترك زوجها من ملابس وهي ما زالت معلقة على حائط غرفة نومها؟ وما حالها وهي تستذكر الأيام والساعات الجميلة التي قضوها سوية؟ ما حال طفلة وطفل ينتظر والده على باب بيته في كل دقيقة وساعة؟ هل تتصور منظر الطفل عندما يقول لولدته "اريد ابويه" , "وين ابويه" , "اشوكت يجي أبويه"؟ وهل تتصور حال خطيبة تنتظر يوم زفافها , واذا فارس احلامها تقطعه قنابل الغدر والخيانة الوطنية ؟ وما حال والد ووالدة يفقدون ولدهم الوحيد , وهم يحلمون ويخططون ليوم زفافه ؟
حالات إنسانية تبكي العيون وتحرق القلوب استغفلها اليسار العراقي باسم عداوته للإسلام السياسي , فتركوا دماء الشهداء تجف بدون عين تدمع وقلبا يدمى واصبح همهم هو التسقيط . اليسار العراقي خان البلد ولم يقف معه في اشد محنته وأصبح بوق للعداوة والبغضاء بين أبناء الشعب الواحد , بعدما كان الموحد له . هل قرات مقالة واحدة تستذكر بطولات الحشد الشعبي من قبل الكاتب رشيد الخيون ؟ الدكتور عدنان حسين؟ الدكتور علي الخالدي؟ الدكتور كاظم حبيب؟ الأستاذ مالوم أبو رغيف؟ الدكتور سمير حسن ليلو؟ الأستاذ عدنان حاتم السعدي ؟ لقد درسنا اليسار العراقي حب الوطن والتضحية من اجله في جميع السنوات قبل التغيير , فما أصاب اقلامهم بعد التغيير ؟ هل جف حبر اقلامهم؟ تكسرت؟ بدون شك لا هذا ولا ذاك ,انما النظرة الضيقة الى المتصديين للعملية السياسية. كونوا من الضد للحاكمين ولكن لماذا سكتت اقلامكم من دعم القوات العراقية التي تقاتل أشرس مجاميع إرهابية عرفتها المنطقة؟ كونوا بالضد من الحاكمين ولكن لماذا نسيتم بطولات الحشد الشعبي؟ معاناة أهاليهم ؟ هل ان داعش جاء ضد الحاكمين في بغداد او جاء لتدمير حاضر ومستقبل العراق؟ أخبرونا يرحمكم الله ان كنتم تعلمون. هل ستستغرب عندما لا يستطيع اليسار العراقي كسب مقعدين في الانتخابات البرلمانية القادمة؟ يا حريمه , لقد نسوا دماء الشهداء , فمن حق الشعب العراقي نسيانهم .
نذل وليس عراقيا , كل من وقف ويقف من السياسيين ضد الاستعجال بتحرير الأراضي المغتصبة من قبل داعش . نذل ذلك السياسي وهو يشاهد ابطال القوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي وقوات البيشمركة يفترشون جبهات القتال في معارك كر وفر ولا يسمح بهجوم كبير يقضي على داعش وبحجج واهية. عيب , ان لم يوحد داعش السياسيين فمتى سيتوحد خطابهم ؟ اليس أبناء الحشد الشعبي من العراقيين؟ فلماذا يسمح بعض الساسة المحسوبين على العراق بتدخل 60 دولة ولا يسمح لابن الشرقية دخول أراضيهم؟ اليس من العيب ان يسمح السيد أسامة النجيفي وظافر العاني تدخل 60 دولة ولا يرحبون بتدخل الروس في القضاء على داعش بحجة تشابك المصالح؟ اليس من العيب ان يخرج علينا أحد سياسيو الانبار ليعلن ان القوات المسلحة ما زالت غير جاهزة لحرب داعش والقوات العراقية قضت على داعش في بيجي في ظرف يومين؟ الله معك يا عراق , ورحم الله شهداءك وشافي جرحاك . الأيام الصعبة تكشف من هو الحر ومن هو العبد , تماما مثلما خلد يوم العاشر من عاشوراء الحسين واصحابه الميامين , حيث في ذلك اليوم الخالد اختاروا القيم فاستشهدوا جميعهم من اجلها وهذا هو سر خلودهم الابدي .
مقالات اخرى للكاتب