منذ بدايات 2011 تصاعدت أصوات تطالب بـ"دولة مدنية" في العراق, نتيجة التردّي الخدمي والأمني والطريقة الغريبة في إدارة الدولة العراقية الجديدة, لا سيما بعد إصابة رئيس الوزراء السابق بتخمة أنانية؛ نتيجة جرعات مديح مفرطة أحدثتها ردات فعل عشائرية وشعبية, ذلك المديح سببه قيام رئيس الوزراء بجزء بسيط من واجباته وبدعم أمريكي ومطالبات جماهيرية.
إستثمار القوى "العلمانية" الضعيفة في العراق لذلك الوضع, أوجب تسبيب المشكلة وإلقاء اللوم على عاتق ما أُصطلح عليه "الإسلام السياسي". فبرز حينذاك الجدل العراقي -مازال قائماً- حول مدنية الدولة أو دينيتها؟ ملخّص الجدل يقوم على نظرتين؛ الأولى تصنّف العراق الحالي كدولة دينية, والثانية تستدل بالديمقراطية والدستور, على مدنية الدولة.
ويبدو أنّ الديمقراطية وجميع مظاهرها لا تؤثر على الواقع بقدر تأثير المراس السياسي, فالموجة السائدة تبيح لراكبيها, في كثيرٍ من الأحيان, التطاول على ثبات مفهوم الدولة وإستدعاء أي مرجعية تاريخية تراها مناسبة للتماهي مع أهدافها في إطار المصالح الإنتخابية, كما في حالة القيء البرلماني والسباق نحو إثبات "التديّن". الظرف الزمني, إذ إنشغال الناس بطقوس محرّم ومعركة الموصل, سرّع من عملية تمرير فقرة "منع الخمور" في العراق!..
وهنا يظهر التطرّف والإعتدال بأجلى صوره, الإعتدال يقوم على أكثر القرءات الدينية إلتزاماً بالنص والتاريخ؛ إذ تعطي للإنسان كامل حريته بإعتباره مخيّراً, وربما يزخر التراث العراقي بالأمثال والحكايات التي تُثبت بعد الدين عن الحياة الشخصية للناس.
والتطرّف هو المراس الذي تؤديه, في الغالب, مجاميع غير ملتزمة بالمنهج الديني, لإثبات تديّنها وإلغاء أي صوت يختلف معها حتى في الأذواق!.
نظرة سريعة للمشتغلين على منطقة التطرّف, تعطينا دلالات مهمة على خلو الحياة الشخصية لإغلبهم, من أي مبدأ, سواء كان دينياً أو وضعياً, ربما يسقط هذا الحكم إذا قلنا بأباحة الدين لشرعنة الفساد, وتضخّم الثروة, والوصول إلى البرلمان من خلال توزيع عقارات تابعة للدولة, مثلاً. وقد يضعنا السؤال عن الحياة الشخصية لهذا النائب أو ذلك المسؤول في حرج: هل يستطيع (أحدهم) المطالبة بمنع الخمور في لندن؟ وإذا لم يستطع, فلماذا يفضّل عاصمة الضباب كضمان مستقبلي يضع ثروته بعقاراتها؟!
المراهقة البرلمانية في العراق, تضع الدولة أمام فوضى إجتماعية عارمة, وتكشف عن إستغلال بشع للناس ودينهم, فضلاً عن خرقها لروح النظام العراقي الجديد, فالديمقراطية تأتي بسلة واحدة ولا يمكن قبول بعضها والدفاع عنه, ورفض بعضها الآخر وتجريمه.
العراق إختار نظام حكمه, وكما لم يستبّدل "صدام السني بآخر شيعي", فلن يختر داعشاً شيعياً كبديل لداعش السني,
مقالات اخرى للكاتب