استدعى ملك بلاد مصر وزيره الحكيم الذي يدبر كل شيء حتى المستحيل احياناً واخبره ان ابنته مريضة ولا يشفيها الا اكل فاكهة تدعى (القراصيا) وهي تنبت في الشام الا ان الوزير اخبره ان بين مصر والشام مسيرة أيام او أسابيع , غير ان الملك لا يقنعه هذا الكلام فلا بد من ارضاء ابنته بأي ثمن , وهدد الوزير بالسياف معاقباً او بالصراف مثيباً ( الشخص الذي يدفع المال ) وامامه لغاية غروب شمس ذلك اليوم , فكر الوزير مليا واشار عليه احد الاعوان باستخدام الحمام الزاجل الذي من شانه ان يحمل ثلاث او اربع حبات بقدمية واستخدام اكثر من طير واحد لتحقيق هذا المراد , وعمل الوزير بنصيحته وارسل الحمام الى الشام وجاء بالفاكهة قبل الغروب وحقن دمه وفاز بالجائزة من الملك .

ربما تكون هذا القصة البسيطة دليلا على طول المسافات بين البلدان في مختلف اصقاع الكرة الارضية التي لم يرسم خريطتها الادريسي بعد ولم يكن العالم الجديد مكتشفا من قبل كولومبوس ولم يتم تنصيب برنامج الـ Google earth في اجهزة الحاسوب بعد ولم يكن معروفا نظام الـ GPS لتحديد المواقع والمسافات ولم تكن خطوط الطول والعرض الوهمية معروفة حتى و لا حتى الاقمار الصناعية التي تدور في مدارات مختلفة حول الارض و لاغراض عسكرية و مدنية , وكانت المسافات بين البلدان تحسب بالايام والاشهر بل وحتى السنين لان سرعة الخيل والبغال والحمير معروفة ومحدودة وحتى سرعة السفن كانت مرتبطة بسرعة الريح ولم يكن المحرك البخاري مكتشفا , فالثورة الصناعية في انكلترا لم تنبثق بعد .

اما اليوم فكل شيء قد تغير بشكل شامل , فيمكن عبور الاطلسي في ساعات لنقل البضائع والمسافرين ناهيك عن الدول المتجاورة ويمكن ارسال فاكهة الشتاء والصيف الى مختلف البلدان التي لا تزرع فيها وتحول العالم الى القرية الكونية الصغيرة التي تصغر يوما بعد يوم كما ان الكرة الارضية لم تعد كافية حتى بدأ الانسان يفكر بغزو واستعمار المريخ ويخطط ويضع الميزانيات الضخمة لذلك , لقد اصبح العالم مكشوفا امام الجميع ففي ثوان يمكن لمن في المغرب ان يسمع ويرى من هو في المشرق بفضل الاشارات عبر الانترنيت بين الحواسيب الثابتة والمحمولة والنقالة من خلال مساعدة الاقمار الصناعية الدائرة في المدار حول الارض , كما ان الثقافات اصبحت مشتركة ومباحة وامام الجميع وسرعة انتشار الفكر او عمل فني او ثقافي او ما شابه لن تحتاج للصبر طويلا فمجرد تنزيل خبر او فكرة ما في الانترنيت والتسجيل في موقع ومنتدى معين يمكنه نشر الفكر وايصاله الى ابعد الحدود , حيث اصبح كل شيء متداخلا في كل شيء وبارخص الاثمان واصبح التسلح العلمي والتعليمي والتكنولوجي يضاهي التسلح العسكري ان صح القول , واصبحت الكلمة المكتوبة عبر الانترنت او الايميل والتي يتم نشرها ,لها تاثير اكبر من السلاح العسكري , لان من يتخذ السلاح لنشر الفكر او فرض ايدلوجية معينة اليوم يسمى همجيا او إرهابيا او متطرفا , لان الفكر يجب ان يقارع ويناظر ويناقش الفكر الاخر ليتم ذوبان الافكار الدخيلة ويعطي الثبات والاصالة لما هو مناسب للبشر ان يتخذوه لهم سبيلا .

لقد فتحت نوافذ الوندوز الحاسوبية السبيل امام الجميع للمشاركة الفاعلة في التقدم وخلق المنافسة العلمية في مختلف الميادين واصبحت المعلومة متاحة للكل في ان يدلو بدلوه , فالمعلومات والبيانات من رأس الدولة والمؤسسات والدوائر الحكومية وحتى الافراد اصبحت معلومة ومعروفة للجميع الا في حدود الخصوصية الامنية المعروفة ضمن نطاق العمل الذي يتطلب ذلك , ولم تعد اللغة والعرق والجنس والديانة والمذهب والعمر والمستوى الثقافي حائلا اما من يريد التواصل عبر العالم ضمن اهدافه الشخصية والذاتية ضمن نطاق تجاري او شخصي او ما شابه ولم تعد الحدود الجغرافية تمثل عائقا اما تحقيق المطلوب فالذي يرغب في الدراسة يمكن الدفع عن بعد لاغراض الدراسة وتادية الامتحانات عبر الشبكة العنكبوتية للحصول على شهادة في تخصص ما, والذي يعمل في والتجارة والاستثمار يمكنه عمل صفقات معينة عبر الهاتف والانترنيت وحتى يمكن ارسال التواقيع على العقود ايضا والدفع ومعرفة تاريخ الشحن ووصول البضاعة والتخليص الكمركي وهو جالس في مكتبه الاثير او حتى في منزله الشخصي .

وهنا يجب التفاعل مع الامم في الشكل الامثل الذي يؤثر ويتأثر بالاخر من اجل تحديد الملامح العامة للهوية الذاتية للوطن والامة والتراث واستغلال شبكة الانترنيت بالشكل الصحيح وعدم مضيعة الوقت في تصفح المواقع الغير مفيدة وتنشيط وتبني الهوايات النافعة علميا واجتماعيا اذا ما علمنا كيف يستطيع من صنع الانترنت الاستفادة منه على المستوى المحلي تجاريا واقتصاديا وعلى المستوى الدولي ثقافيا وسياسيا , لذلك يجب خوض هذا الغمار ومعرفة كيفية الاستفادة منه من اجل تغيير الواقع الذاتي للفرد والمجتمع وخلف رقي ورفاه على كافة الاصعدة .