بغداد – هناك الكثير من الحكايات عن الفساد الإداري والمالي وراء كواليس مؤسسات الدولة في أزمان الإحتلال الأمريكي والبريطاني، بقيت مغلفة بالكتمان والسرية وعدم التعاطي معها حتى لدى النزاهة، رغم تسريبات تطلق هنا وهناك عن ملفات الفساد التي تعاني منها تلك المؤسسات، ومنها الشركة العامة لتجارة المواد الإنشائية التابعة لوزارة التجارة، والتي تأسست عام 1969 ولها 17 فرعا في المحافظات.
وعلى الرغم من أن الشركة تهدف في إطار عملها الرئيسي الى توفير المواد الانشائية عالية الجودة ومن ارقى المناشئ وتسويقها بأسعار منافسة لخدمة عمليات اعادة الاعمار والبناء ولتمكين المواطن من بناء دار سكن لائقة، إلا أن هذا الهدف تحول إلى مكمن الفساد في عمل الشركة بعد سيطرة نخبة فاسدة على إدارة الشركة، وتراجع أصناف مستوردات الشركة بما يحقق التنوع للسوق العراقي بسبب تنامي الفساد فيها.
وقد كشف التقرير السنوي الأخير لديوان الرقابة المالية العراقي، وجود تلكؤ في أداء الشركة وخسائر كبيرة تجاوزت الأربعة مليار دينار، وذلك بسبب الإدارة السيئة في الشركة وتنامي الفساد فيها وخاصة ما يتعلق منها بتوفير المواد الإنشائية ومشاركتها في نقل مفردات البطاقة التموينية التي تعاني من تراجع مفرداتها هي الأخرى إلى حد الإنقطاع التام في الكثير من المحافظات.
موظفون في فروع الشركة بالمحافظات أشتكو من تنامي الفساد الإداري والمالي في الشركة وبينوا في رسائل أستغاثة وشكوى أرسلوها للعديد من وسائل الإعلام العراقية، مؤكدين فيها أن الإهمال والتقصير المتعمد من قبل وزارة التجارة والحكومة برمتها تجاه الشركة خلق فيها عصابات من المفسدين أصبحوا يديرون الشركة لتحقيق مصالح مالية وإدارية خاصة بهم، وأوصلت إلى سلم المناصب الإدارية أشخاص لا يستحقون المناصب التي وصلوا اليها.
وبينوا أن قسم النقل والصيانة في الشركة يعاني الكثير من الإهمال أدى لغياب العناصر الكفوءة ووصول أشخاص لا يحملون الكفاءة اللازمة إلى المناصب القيادية في القسم كونهم من أقارب مسؤولين كبار في الشركة، أو ينتمون إلى أحزاب سياسية معينة أو طائفة ما.
وأشاروا إلى أن عملية التعيين في الشركة يتم على أساس طائفي وليس على أساس مهني والشهادات التي يملكها المتقدم للوظيفة أو من يتم اختياره ليحصل على منصب إداري أعلى في الشركة. موضحين أن هناك مدراء في أقسام الشركة لا يحملون شهادات لازمة في حين أن موظفين في تلك الأقسام يحملون شهادات أعلى بكثير من شهادات مدراء الأقسام، وأن هؤلاء المدراء وصلوا لتلك المناصب من خلال أحزابهم أو طائفتهم أو كانوا من المقربين من مدراء الشركة.
وكانت مصادر برلمانية كشفت مؤخرا عن ملف فساد بمليارات الدنانير وقعت في الشركة العامة لتجارة المواد الإنشائية، حيث تورط مدراء تسويق ومالية الشركة بالتعاقد مع وكلاء وهميين وبضمانات وهمية من مصارف اهلية لتسويق مادة الحديد (اوكراني المنشأ) ومضاربة السوق به بعد حجبه بالاتفاق مع المدراء المذكورين بغية رفع سعره بما يضر الاقتصاد الوطني والمستهلك العراقي على حد سواء، فبعد ان كان سعر طن الحديد الواحد من المنشأ المذكور يبلغ 675 الف دينار، أرتفع سعره إلى 825 الف دينار للطن الواحد في الوقت الذي يشهد فيه البلد عمليات اعادة اعمار وبناء في مختلف الصعد. إلا أن الملف سرعان ما أختفى ولم يتم طرحه في البرلمان العراقي ولم تتعاطى معه هيئة النزاهة لا من قريب أو بعيد، وأنتهى الموضوع وكأن شيئا لم يكن.
وكانت الشركة العامة لتجارة المواد الانشائية أعترفت بان نوعية المواد التي تستوردها وتبيعها "ليست في مستوى طموح المستهلك"، وأن "الروتين الذي تتبعه الشركة ومحدودية المعروض فيها"، سببا عزوف المواطنين عن التعامل معها.
وقال مدير عام الشركة العامة لتجارة المواد الانشائية عبد المحسن عنبر الركابي، ان "طرازات" المواد الانشائية التي نبيعها ليست بالمستوى المطلوب"، مبينا ان "ما يقال عن وجود تفاوت كبير بين اسعار شركتنا والاسواق العامة، ليس دقيقا دائما".
لكنه يشير الى ان "امكانية التنوع في المواد المباعة عبر منافذ الشركة محدود، بسبب محدودية الاستيراد من قبلنا"، مؤكدا "سنتجاوز هذه العقبة هذا العام عبر زيادة الطرازات المستوردة من حيث الالوان والمواصفات، لتلبي اذواق اكبر شريحة ممكنة".
وعن اسباب عزوف المواطنين عن شراء احتياجاتهم الانشائية من الشركة، قال الركابي ان "ذلك يعود لسببين رئيسيين، الاول هو الروتين الذي نتبعه ويعطل عملية الشراء، ومحدودية المعروض من طرازات لجميع المواد الانشائية في منافذنا التسويقية".
ويقول رعد كريم موسى، المدير العام لشركة العهد الصادق للمقاولات الانشائية، ان "الشركة العامة لتجارة المواد الانشائية تقدم خدمة للمواطن، ولكن في السنوات الاخيرة عزفنا عن التعامل معها لان اسعارها مساوية او اقل بنحو 5 في المائة ليس اكثر، عما هو معروض من مواد انشائية في السوق المحلية"، مؤكدا انها "تعرض طرازات محدودة".