فيما اسفرت الانتخابات المحلية و نتائجها عن فوز نسبي لـ(القوائم الصغيرة)(*) . . التي يرى فيها خبراء و سياسيون مجربون، بأن الأهم في نتائجها ـ رغم نواقص و سلبيات ـ هو تزايد فوز و انحياز مكونات (التحالف الوطني) لصالح المطالب الشعبية و ضد تعميق الطائفية . . حيث عبّرت و تعبّر تصريحات و اعمال عدد واضح من وجوهها بان سبب المشاكل القائمة هو المحاصصة التي صارت تهدد بانفراد رئيس الوزراء المالكي بالحكم . .
الانتخابات التي تشكّل بتقدير مراقبين، بداية لتحوّل الصراع الاجتماعي في البلاد، من صراع طائفي فرضته المحاصصة . . الى صراع سياسي ـ اجتماعي تحت راية تآخي الطوائف . . كما صار يرد على لسان عدد كبير من قادة (التحالف الوطني)، من خارج دولة القانون و حزب الدعوة . و كما يدلل الفوز النسبي لشخصيات من احزاب تأريخية مرموقة منحازة للجماهير و بالاخص الشبابية الكادحة منها، كحزب الجادرجي الوطني الديمقراطي، الحزب الشيوعي العراقي، الحركة الاشتراكية، والتيار الديمقراطي الذي يضم الاف الوطنيين والديمقراطيين من نزعات فكرية متنوعة، بضمنهم إسلاميون تحرروا من اسر الأطر الطائفية و الدينية المتزمتة، اضافة الى أطر مستقلة عديدة اخرى.
الأمر الذي تسبب لرئيس كتلة دولة القانون وزعيم "حزب الدعوة"، وفق مصادر محايدة، ردة فعل على نتائج انتخابات مجالس المحافظات التي مُني فيها بفشل واضح . . ردّة فعل عبّر عنها بالدعوة لإلغاء قاعدة "سانت ليغو" الانتخابية المجرّبة عالمياً في نجاحها في تحقيق عدالة افضل من صيغة (القائمة المغلقة)، و مطالبة نواب من كتلته الصغيرة بالعودة إلى نظام القائمة المغلقة.
و يرى الكثيرون ان غضب رئيس الوزراء هذا، يأتي من اخفاقه في حصد اصوات ناخبي منافسيه في التحالف الوطني، و بالتالي من اخفاقه في محاولته هو لتمثيل المكوّن الشيعي في البلاد، و بالتالي في التهيئة للانقلاب على العملية السياسية، والانتقال الى (حكومة الأغلبية السياسية)، التي لا تعني عملياً في الظروف القائمة، الاّ الحكومة المرتهنة لإرادته الفردية المطلقة.
فيما تشدد اوساط تتسع، على ان المعاناة اليومية للشباب و الشابات و عدم الاستجابة لمطاليبهم في الامن، الفساد، البطالة، و الفقر الذي يتضاعف في بلد من اغنى اغنياء العالم . . اضافة الى وقوف جهات مسؤولة بوجه منظمات المجتمع المدني الديمقراطية، و تعمد الاهمال و التعتيم على النشاطات الديمقراطية و الشعبية و مطالباتها، كما حصل لمؤتمر التيار الديمقراطي الاخير . . هي التي تسبب الالم و الاحتجاج و ليس الهويات الفرعية القومية و الدينية و الطائفية .
وامام كل الوقائع التي ترتبت على انتخابات المحافظات وما اسفرت عنها من نتائج وردود افعال، يرى سياسيون و متخصصون ضرورة ان تعمل جميع القوى التي انخرطت فيها، في التعبئة لفرض قانون " سانت ليغو" ، وفي مقدمتها الفصائل الفائزة في التحالف الوطني، و المستهدفة من قبل زعيم دولة القانون، في التحرك لتعبئة القوى الحية في المجتمع وزجها في العمل السياسي الفعال في مواجهة المساعي الرامية الى العودة من جديد الى نظام (القائمة المغلقة) والغاء " سانت ليغو"!!
تعبئة القوى الحيّة المجتمعة سواء معاً اوعلى انفراد، لأن تستعين بقوى الشباب الخلاقة رجالاً و نساء، و ان تستفيد من تجارب حركات الشباب في دول المنطقة و اصدائها الاقليمية و العالمية، كتجربة " تنسيقيات تقسيم" في اسطنبول كتجربة افرزتها ظروف المرحلة، بعد ان قررت القوى الحيّة هناك، التمرد على محاولات رئيس الوزراء التركي اردوغان، التدخل في تفاصيل وجزئيات الحياة والخيارات الشخصية للمواطن وفرض نمط يتعارض مع طبائع الحياة طيلة العقود المنصرمة في تركيا، و على جنوح الحزب الحاكم و زعيمه هناك الى مستويات عالية من الغرور المؤدي الى غلبة النزعات الفردية والتعجرف في العلاقة مع مصالح واحتياجات فئات كبيرة من المجتمع التركي وفي مقدمتها الشباب والنساء من كل القوميات و الاديان .
اضافة الى تجربة حركة "تمرد" الشبابية المصرية من كل المكوّنات الشعبية هناك . . و التي تبادر و تبتكر آلاف المبادرات في جميع المحافظات، سعياً وراء طموح تعبئة كل القواعد الشعبية المناصرة للعملية السياسية الديمقراطية والرافضة لسياسات الإقصاء والتهميش والانفراد والانفلات الأمني ونهب المال العام وتكريس فساد الضمير والذمة، لالحاق الهزيمة بهذه التوجه المتقاطع مع إرادتها . . التي وصلت الى مطالبة الرئيس المصري مرسي بالرحيل، الذي وصل للحكم باتفاقات اطراف متنفذة، في حالة لاتختلف عن مجئ المالكي للحكم .
بعد ان عبّأت القوى الحية في بلادنا من شبابها و نسائها و كهولها و صارت لها تجاربها، بعد ان تمكنت من مواجهة الرصاص الحي الذي تسبب بجرح و سقوط العشرات من الشهداء في ساحة التحرير و تحت نصب الحرية في بغداد و في ساحات بقية المدن العراقية، و التي تتجدد اليوم في احتجاجات متقاعدي الناصرية و احتجاجات المحافظات الاربع من اجل الاصلاح .
مقالات اخرى للكاتب