في واحد من اللقاءات التلفزيونية التي كنت اظهر خلالها أواسط التسعينيات، سألني مقدم البرنامج سؤالا محددا: إن كان صدام يظلم الناس بهذه الطريقة التي تصفها، فعلام لا يخرج عليه العراقيون مثلما فعلوا بعد خروجه من الكويت مندحرا؟ أجبته: ان صدام نجح في تحويل العراق إلى طائرة مختطفة والشعب قد حشر فيها. وأنّى للمخطوف في طائرة ان يتحرك والخاطف يضع سكينا على رقبته أو يصوب رشاشه نحو جبهته؟
واليوم إذا سُئلت عن سر سكوت العراقيين، رغم كل هذا الذي يعانونه من قتل وذبح وتفجير وفقر وبطالة وفساد وغياب شبه تام في الخدمات وتضييق الخناق على الحريات، سأجيب ان الشعب توزع بين مخطوف ذهنيا وآخر أسير. وياله من أسر مؤلم ان كان تحت يد من تنقصه الحكمة. كم أعجبني قول أستاذ جامعي مصري مختص بالعلوم السياسية، قبل أيام: ان الدكتاتور ناقص التدبير قد يكون أسوأ للناس من الدكتاتور الدموي.
لو لم يكن الشعب أسيرا، عند "دولته" لما تجرأت وزارة "الداخلية" التي يديرها بنفسه على منع التظاهر بحجة المخاوف الأمنية. ألم يكن هو، وليس غيره، من قال ان الدول الأخرى تحسدنا على نعمة الأمن التي نحن فيها؟ أليس هو أيضا من قال ان تجربتنا في محاربة الإرهاب رائدة وعلى دول العالم ان تستفيد منها؟ فان كان كذلك، كيف تقول الداخلية أمس: "ندعو إلى تأجيل التظاهرة لأن هناك من يتربص بالمواطنين ويحرص على استهدافهم باعتداءات إجرامية دموية تزيد المشهد الأمني والسياسي في البلاد تعقيدا، وتضيف إلى البلاد مشاكل القلاقل والفتن التي هي في غنى عن المزيد منها"؟ أليس هذا اعترافا صريحا يناقض كل ادعاءات "الجار"، ويقر بان المشهد الأمني منفلت والدماء تسيل والقلاقل والفتن واصلة لخوة موزة؟
الداخلية تتصور ان واجبها هو ان تجعل الناس "تكرص" في بيوتها بعد ان تقرر من عندها ان التظاهر "لن يزيد صوت المطالب علوا ولا يضيف ضغطا"! أهذا هو دور الداخلية أم دور الناس؟ الشعب هو من يحكم على أهمية مطالبه وجدواها، وما واجبكم إلا ان تحموه رغما عنكم لأنكم تعيشون على أمواله.
وكعادة الجار التي تطورت إلى "سولة" صار كلما يشم بوادر تظاهرة جديدة يخوف الناس بفزّاعة البعث والقاعدة بحجة الخوف عليهم. أيباه شكد إحنيّن انت؟ يا عم، اللي يخاف على الناس ما يفتح باب السجون للإرهابيين ويسهل فرارهم ويقول لهم أتفضلوا العبوا بالبلدشاطي باطي! وان كنت ناسي ح فكرك بهذا المقطع:
http://hammurabi-news.com/viewcontent/?c_id=10263
البعثيون والقاعدة لا يعانون أزمة أهداف حتى ينتظروا تظاهرة للفتك بها. البلد كله تحت رحمة سكاكينهم بفضلك قيادة "دولة" رئيس حكومة دولتكم وقائد قواتها المسلحة وأمنها ومخابراتها ووزارتي دفاعها وداخليتها. هل تسمى وزارة "داخلية" من تدعو الناس ان تختل في بيوتها ولا تفتح فمها أو ترفع يدها احتجاجا؟ هل عملها حماية المتظاهرين أم تخويفهم كل يوم بـ :اختل إجاك الواوي .. اختل إجاك الذيب؟
مقالات اخرى للكاتب