* الاطلاقات الطائشة لها دور في هذا العزوف
* أبراج الانترنت والهواتف النقالة صارت أعلى من أسطح المنازل
كان البناء في العراق يسوده نمط معين تقليدي ، وهو البناء من طابق واحد فقط وفي بعض الاحيان أكثر منه ، مع ضرورة وجود أسطح للمنازل ، فظلت هذه الاسطح لمدة طويلة تقدم خدماتها للمواطنين في بلد مثل العراق بصيفها الذي يمتد لعدة أشهر لتصل درجات حرارته فيه الى أكثر من (50) درجة ، وبما أن مستوى معيشتهم كانت بسيطة ، فكان يتعذر عليهم شراء الاجهزة الكهربائية الخاصة بالتبريد ، لهذا وجدوا في أسطح منازلهم الراحة وهم ينامون عليها طوال فترة الصيف ، ولكن بعد التغييرات التي طرأت على الساحة العراقية والاضطرابات الامنية التي رافقتها ، مع سماع أصوات الانفجارات في كل ليلة وكثرة الذباب والبعوض وأصوات المولدات والعواصف الرملية ، عزف غالبيتهم النوام عليها ، لانها باتت مكاناً غير مريحاً لهم ، في ظل وجود أجهزة تبريد بمختلف أحجامها وانواعها ، وصار بعضها رخيص الثمن ، فتركت هذه الاسطح وتحولت الى أمكان يرمون فيها كل ما هو فائض عن حاجتهم .
فهل تحولت أسطح المنازل الى مكان يوضع فيه السكراب والحاجيات الاخرى الزائدة ؟ وما الذي دفع بعض الناس الى الاستغناء عنه وبناء دورهم السكنية على شكل أسطح مائلة على الطراز الحديث للتخلص منه ؟ .
هذه الاسئلة وغيرها كانت محاور حديث جريدة (( بغداد الاخبارية )) مع بعض المواطنين حول هذه الموضوع .
الاطلاقات الطائشة
يقول ماجد خليل عباس ( صاحب محل لبيع المواد الكهربائية ) لقد كان البناء في السابق عبارة عن طابق واحد ، ولم يكن أحد يفكر أن يبني طابقين أو أكثر ، كونهم يضعون في حساباتهم أن سطح المنزل هو المكان الامن لتفادي حرارة الصيف في كل عام ، وفيه الراحة وفي بعض الاحيان تتخلها الجلسات العائلية قبل النوم ، فكان جل تفكيرهم الاهتمام والعناية به ، وصيانته عند دخول موسم الامطار ، ولكن ما الاحظه الان أن هناك إهمال واضح لاسطح المنازل ، بسبب خوف الكثير منهم النوم عليه من الاطلاقات الطائشة التي ترمى في الهواء ، كي لا تسقط على أحدهم وقد تودي بحياته أو أحد أفراد أسرته .
بناء أبراج الانترنت والهواتف
أما حنان كريم حامد ( ربة بيت ) فقالت كانت المدن في السابق محاطة بالاشجار والانهار والجداول ، ولا يخلو منزل فيه من وجود الحدائق الجميلة بازهارها وورودها الفواحة ، فيعطي حينها أجواء لطيفة ، لاسيما في الليل ، ولكن بعد أن واجهت بعض العوائل صعوبة في المعيشة إضطر بعضهم الى بيع منازلهم ، والشراء في مكان آخر وذلك من أجل الاستفادة من فارق السعر ، فانشأت مكانها العديد من العمارات وإختفت الاراضي الزراعية التي كانت منتشرة بصورة ملحوظة في المناطق ، فذهبت تلك الاجواء الجميلة التي تعيشها أفراد الاسرة ليلاً الى غير رجعة وإحتلتها الذباب والبعوض ، وإنشأت في مكانها الابراج الخاصة بالانترنت والهواتف النقالة التي صارت أعلى من أسطح منزل المواطنين .
أصوات المولدات المزعج
بينما قال نمير عبد الله حاتم ( سائق أجرة ) بعد التحسن الاقتصادي لغالبية المواطنين وتوفر أجهزة تبريد باسعار بعضها رخيص الثمن في كافة المحال التجارية مقارنة بما كانت عليه في السابق ، فقد أخذت تلك العوئل ، تفضل النوم داخل المنزل حتى في شهر تموز وآب التي ترتفع فيهما درجة الحرارة الى درجات لا تطاق ، ولكن في ظل وجود هذه الاجهزة ، فان النوم على أسطح المنزل صار أمراً قديماً وغير محبب لدى الكثير منهم ، تخلصاً من ضجيج المولدات التي أصبحت جزء لا يتجزأ من مفردات حياتهم اليومية .
أماكن للحاجيات الفائضة
غير إن أمل فارس شاكر ( موظفة ) قالت : أن عزوف المواطنين عن النوم على أسطح المنازل وإهمالهم لها بهذه الصورة لمدة طويلة ، ساهم في تحولها الى أماكن لوجود الحاجيات الزائدة التي لا تحتاج العائلة وتأخذ مكاناً فيها ، فيقومون برميها لا سيما ( السكراب ) وأي غرض فائض لا يحتاجونه فيها ، فوصلت في كثير من الاحيان الى كميات كبيرة ، بحيث وجدوا صعوبة بعد ذلك في التخلص منها لكثرتها ، وصاروا يرجون من بعض الباعة الدوارة الذين ينتشرون في الشوارع لانقاذهم منها وبأي ثمن وفي بعض الاحيان يقومون بالدفع لهم مبالغ ، لغرض حملها بعيداً عنهم .
حاجيات عزيزة
وتسائل داود غريب محي ( طالب جامعي ) عن سبب إحتفاظ بعض العوائل بتلك الحاجيات القديمة من دون أن يقوموا برميها ، وعدم وضعها على أسطح المنزل التي هي بالاصل مكان لنومهم وهرب من جحيم حرارة الصيف عند إنقطاع الطاقة الكهربائية حينها ، ولكن ربما قد تكون من باب الاعتزاز بها وإنها كانت تشكل علامة بارزة في منزلهم ، ولكن بعد أن أصبحت قديمة ، تركت جانباً في المنزل ، وحين كثرة رميت على الاغلب على أسطح المنازل من دون الانتباه اليها ، كونها سوف تأخذ حيزاً كبيراً منه ، ولو فكر أحدهم بالنوم على السطح ، فانه لن يجد له مكاناً فيه ، كونها قد تكون مأوى للحشرات والذباب والبعوض الذي عشعش فيه .
تضرر سطح المنزل
أكدت ياسمين تحسين مهدي ( معلمة ) إنها عانت منذ فترة طويلة من تضرر سطح منزلها نتيجة الامطار التي تهطل في موسم الشتاء ، فتؤدي الى تجمع المياه فيها نتيجة عدم خبرة الذين علموا على إنشاء السطوح ، فظلت مشكلة كبيرة ، رافقها ولم تجد حلاً لها ، فتقوم مع زوجها وأفراد عائلتها بصيانته وترميه في كل عام ، من أجل البحث عن بعض الراحة فيه ، عند إنطفاء الكهرباء ، ولكن تضرره أزعجها كثيرة ، وهي تكرر إدامته سنوياً ، ما أدى الى عدم اللجوء اليه هرباً من حر الاجواء ، وتفضيل البقاء داخل المنزل ، حتى ولو كانت الاجواء لاهبة بصورة كبيرة .
البناء على طراز الحديث
إتجه صادق ستار وليد ( صاحب محل لبيع المواد الانسائية ) بعد معانته الكبيرة من تضرر سطح منزله الى البناء الحديث ، من أجل الاستغناء عنه ، والقيام بعمله بصورة مائلة لترسيب مياه الامطار ، كما هم معمول في المنازل الغربية التي عادة ما تكون أسطحها على شكل هرم لكي تمنع وقوف المياه أو تضرر الاسطح ، حيث إستعمل في هذا الامر مادة ( القرميد ) وهو نوع من أدوات البناء عالي الجودة ، والذي لا يتأثر لا بالمياه ولا بالثلج ، فكانت نتائجها مبهرة وتخلص من تضرر سطح منزله الى الابد .
تكلفة أقل
وشاركته في الرأي زينب حسن باسم ( طالبة جامعية ) بقولها ، طبعاً البناء الهرمي سوف يغني الناس عن الترميمات وإزعاجاتها التي تشغل بال الناس بهذه الامور ، وكذلك يسهم في إلاستغناء عن أسطح المنازل التي أصبحت زائدة من دون الاستفادة منها ، فتتيح عدم الاحتفاظ بالمواد الفائضة عن الحاجة ، وتعد هذه العملية أقل كلفة من الصب وتسليح الاسطح التي تحتاج الى مبالغ طائلة وأجور عمال ووقت طويل ، من أجل تكملة بناء المنزل .
رأينا
بعد أن كان ملاذهم الامن من شر لهيب حرارة الصيف ، هرب الموطنون من أسطح المنازل ، ولم يعد هذا المكان يشعرهم بالراحة والامان ، نتيجة لاسباب كثيرة ، منها ، صوت الانفجارات التي تدوي كل ليلة ، وأصوات المولدات التي صارت روح الحياة للناس من خلال تزويدهم بالطاقة الكهربائية ، حين غابت الكهرباء الوطنية عنهم فترة طويلة ، مع غبار العواصف الذي يجتاح البلاد بصورة مستمرة ، وإنشاء أبراج الانترنت والهواتف النقالة ، التي تشرف على سطوحهم ، وكل هذه الامور أدت الى عدم رغبة الناس بالنوم على السطوح وتفضيلهم داخل المنزل ، فادى الى إهمالها ، حيث تحولت الى أماكن لتكديس الحاجيات الفائضة عن الحاجة ووضعها هناك ، لحين الاستفادة منها أو التخلص منها عن طريق إعطائها الى الدوارة الذين يشترون كل شيء .
مقالات اخرى للكاتب