بخبرة الفيترية الاسطوات بتصليح السيارات على اختلاف اشكالها وموديلاتها ولوحات تسجيلها ، سواء الجديدة الالمانية ام المانيفيست ، يستفسر الفيتر عن "الحماوة " اي ارتفاع درجة حرارة المحرك فوق الخط المسموح به ، وحين يشخص الخلل يبدأ عمله ، ويطلب من الزبون الانتظار ، حتى اصلاح العطب الميكانيكي ، ثم يتسلم مبلغ اجوره ، مع بخشيش مساعد الفيتر وتوكل على الله مولانا ، مع توصية بمراقبة "الحماوة " .
مشكلة "الحماوة" دخلت الى المشهد السياسي العراقي ، بعد استيراد سيارات من المعسكر الاشتراكي صغيرة الحجم ، امتلكها من كان يستطيع دفع ثمنها البالغ 2000 دينار او اقل في سبعينات القرن الماضي حيث شهد العراق انفتاحا على الاتحاد السوفيتي السابق ، ودول اوروبا الشرقية بلغاريا ورومانيا وهنكاريا ، وبولونيا ، وغيرها ،شوارع بغداد وحتى المحافظات استقبلت سيارات الاصدقاء بمواقف متباينة ، فهناك من ذمها وعدها سببا في الاختناقات المرورية ، لارتفاع "حماوة "المحرك ، وعدم تمتعها بمواصفات تنسجم مع الظروف المناخية وخاصة في فصل الصيف ، حين ترتفع درجات الحرارة وتتجاوز الخمسين درجة ، والفريق الاخر وانطلاقا من ايمانه بدور المعسكر الاشتراكي في دعم حركات التحرر ومساندة الدول النامية ومنها العراق جعل "اللادا والبولسكي والفولكا البعيرة " تتقدم على المارسيدس والشوفرليت والدوج ابو عليوي والكاديلاك والرولزرايس ، وانتهى الصراع بين الطرفين من دون حسم الافضلية عندما قررت الحكومة مطلع الثمانينات التوجه الى الاسواق اليابانية لاستيراد السيارات وانهت الجدل حول مشكلة "الحماوة " ولكن الملف انتقل الى ميادين اخرى.
استقبل المتظاهرون بالتصفيق "الحار " زعيم حزبهم ، والتعبير يحمل ايحاء واضحا للحماوة ، والتمسك بالشعارات الوطنية ، وخدمة مصالح الشعب ، واعتاد العراقيون قبل خوض الانتخابات المحلية والتشريعية ، سماع حديث رؤساء القوائم حول مشروعهم وبرنامجهم الوطني ، وعندما انضم خضير ابو الفلافل من ابناء حي الشرطة الرابعة الى احدى القوائم لينفذ برنامجها في حال حصوله على مقعد في مجلس محافظة بغداد ، اعلن في سوق الحي انه "الوطنجي" الوحيد بين المرشحين لان اسم قائمته " تجمع .... الوطني" . ابو عباس فشل في الحصول على الاصوات ، وانتقد الناخبين لانهم وبحسب تعبيره تعاملوا مع عملية الاقتراع ببرود ، وكان يتمنى ان تنتابهم حرارة المشاعر الوطنية لكي يدلوا باصواتهم لصالحه ، لكنهم تنقصهم "الحماوة" ، وخرج خضير من المنافسة بلقب جديد "الوطنجي" لكنه لم يفقد الامل ، لان الحماوة الوطنية تلبسته واصبحت جزءا من شخصيته ، وابدى رغبته واستعداده وتحت تأثير حرارة اللقب ، لتكرار خوض التجربة لعل الحظ يحالفه في الانتخابات المحلية المقبلة ليحقق المشروع "الوطنجي" .
من حق الرجل التعبير عن مشاعره لحبه لشعبه وبلده بطريقته الخاصة ، ولا يحتاج الى مقياس "حماوة " لمعرفة وطنيته ، يكفي انه "خضير الوطنجي" ليس مثل بقية دعاة المشروع الوطني تخلوا عنه في الجولة الاولى من مفاوضات تقاسم الوزارات ، فيما ظلت فضائياتهم تبث التقارير اليومية حول تمسك "الوطنجية" بمطالب المحافظات المنتفضة .
مقالات اخرى للكاتب