في أول دخولي لليمن 1991م مررت في حارة بمدينة الضالع، فصادفتني امرأة تصرخ على طفلها، ثم قالت له (علــــة عراقيــــة)، فحـز ذلك في نفسي وظلت العبارة توخز قلبي حتى التقيت عصراً بأصدقاء يمنيين وقصصت عليهم ما حدث، وتساءلت لماذا أجد من يكره العراق!! فانفجروا ضحكاً، وأخبروني أن هذه العبارة شائعة في بلادهم منذ فتحوا عيونهم على الدنيا وأنها تعني "اصابك بلاء كبلاء أهل العراق".. لكن اليمنيين لا يعرفون ما قصة ربطها بالعراق بالذات.. ويبدو أن تأريخنا فرض ذلك..
في 1980 دخل العراق حرباً مع إيران استمرت حتى شهر آب 1988م، وأهلكت مئات آلاف العراقيين.. وفي 1991م شهد العراق أسوأ غزو من 33 دولة دمرت فيه حتى الشجر والحجر وقتلت الالاف.. ثم تم فرض الحصار الاقتصادي عليه، ومات عشرات الآلاف جوعاً ومرضاً خلال اعوامه اللإثني عشر، وتشرد اكثر من مليون عراقي خارج وطنهم.. وفي 2003م غزت أمريكا وحلفائها العراق وعاثت فيه قتلا وتدميراً . ثم تكالبت قطعان الارهاب من كل ارجاء العالم لتمارس ثقافة الذبح بالسكاكين والابادة الجماعية بالمفخخات وقتلت ما يزيد عن 800 ألف عراقي بعد أن أججت الفتنة المذهبية وأحالت العراق الى خرائب وأطلال دولة باسم "الجهاد في سبيل الله"..!
رحلت قوات الاحتلال الامريكي وبقي "المجاهدون" الى يومنا هذا يفجرون المفخخات في الشوارع والاسواق، ويغتالون الناس بكواتم الصوت.. دون أن نعرف على أي فتوى "جهادية" يستندون هذه المرة.. كما ظل أقزام الخليج هم مطبخ كل المؤامرات والفتن التي تحاك على العراق.. وظلت دول الجوار، ايران وتركيا والسعودية والكويت وسوريا والارن لاشغل يشغلها غير استمرار شلالات الدم في العراق!!
ربما كان اليمنيون على حق حين يدعون على أحد بالبلاء يقولون "علـــة عراقيــــة"، فلم يصب شعب ببلاء كما البلاء الذي أصيب به العراقيون.. فحتى إسرائل لم تفعل بالفلسطينيين كما فعل "المجاهدون" بشعب العراق.. وكم هو غريب أن تقام مجالس التهنئة في بعض الدول لأسرة الانتحاري الذي فجر نفسه في سوق شعبي وأراق دماء مئات الأطفال والنساء والرجال العراقيين، وكأننا شعب ليس من خلق الله ولا نستحق أن نحيا بسلام، ونهنأ بحياتنا دون جنائز ونحيب ثكالى وأرامل وأيتام..!!
مقالات اخرى للكاتب