المعلن حتى الآن، عن حوارات تشكيل الحكومة الكوردستانية المقبلة يدل على وجود نيات حسنة جديدة عند الكثيرين، وقراءتها بشكل صحيح تحتاج إلى النظر في سياقها الذي بدأ بعد إعلان نتائج الإنتخابات، وإجتماعات وفد الحزب الديمقراطي الكوردستاني في السليمانية وأربيل مع الأطراف الكوردستانية التي أعطت زخماً حقيقياً وطفرة في التحول التدريجي للعلاقات التي كنا نشهدها منذ سنوات بين الأطراف نحو الأحسن، والقراءة الأقرب للتصور هي عدم إمكانية أية جهة، المناورة في هذه االحوارات، ووصول كل الأطراف الى قناعة مفادها: صعوبة بل إستحالة إعادة عجلة الزمن إلى الوراء، في إطارالإختلافات أو تشابك المصالح، علماً أن خلافات المصالح في السياسة يمكن المساومة عليها. والأرجح في القراءة هو، أن البارتي لديه رغبة حقيقية في توسيع خياراته وعلاقاته، وستنعكس هذه الرغبة على سياسته وتفاوضاته مستقبلاً مع كافة الاطراف الكوردستانية، وهذا لا يعني بالضرورة إستبدال أحد بأحد. الحوار العقلاني المتكافئ يحل الكثير من النزاعات ويتيح الفرصة للترويج للتسامح و تعزيز المشتركات الإنسانية والتعايش، وهو الوسيلة المثلى لتثبيت ركائز السلام وتجنب الصراع، وتقديم أنموذج متميز يمكن أن يثمر حكومة موضوعية هادفة تفتح آفاق رحبة للبناء والإزدهار والتطورفي البلد، وللتفاهم والتعاون بين الجميع، وتغلق الأبواب نهائياً، أمام الصراعات التي عانينا منها لعقود طويلة. البدايات (المعلنة) مشجعة، والدليل على ذلك، تأكيد الأطراف على الثقة المتبادلة بينهم، والعزيمة والتخطيط والنيات الخيرة التي رافقت إطلاق مبادرة الحوار الذي هو لغة الحياة وضرورة حتمية للتعايش بين البشر، كما أنه يشكل حالة من حالات الوعي الحضاري والمعرفي، يلتف حولها الجميع .. وإذا إستمر الحوار الموضوعي والتفاعل الحالي بينهم، سوف تتضاعف الثقة يوماً بعد يوم وتمتد جسور الحوار وتعالج آثار الماضي وإشكالياته الحقيقية بحيث لا تؤثر سلباً في فعالية الحوار، وسوف يدرك الجميع جيداً ضرورة إيجاد حلول عملية لتلك الإشكاليات، ووضع الأسس اللازمة التي يمكن بها تشكيل حكومة كوردستانية ترسخ قيم العدل والتسامح، وتفضي الى معارضة بناءة.. العقلاء الكوردستانيون، المعروفون بأمانتهم ونزاهتهم وصدقيتهم وآدابهم، يعرفون جيداً أن التنوع والاختلاف سنة من سنن الله، ويعرفون أنه عامل للتعاون والتكامل، والتاريخ زاخر بشواهد لما نقول، وتتزايد عندهم القناعة بأهمية الحوار أكثر من أي وقت مضى لتجنب الخسائر في المستقبل، وإرساء قواعد صلبة للتعاون والتعايش بين الكوردستانيين، وصيانة فضائل الأخلاق، وتجاوز الحواجز النفسية التي ترسبت على مدى سنوات طوال. القارئون لحقائق التاريخ يعلمون أن الحوار المبني على قيم ومبادئ واضحة وصريحة، كان وما يزال هو الطريق الأمثل لإيجاد الحلول لكل المشكلات والخصومات، بما في ذلك العدوانية التي تتستر خلف شعارات دينية أو قومية أو وطنية لتحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية، ولم تستطع يوماً أن تفرض سلاماً أو تعايشاً حقيقياً بين المتخاصمين. العقلاء الذين يتبنون المبادرات ويهتمون بمبادرات الآخرين، لايتغافلون عن وجود من يحاول إفشال الدعوات الخيرة لتحقيق مصالح سياسية، نتيجة لفهم قاصر للوطنية الحقة، أوترسيخاً لنزاعات قديمة بغيضة، أو إنطلاقاً من رؤية إقصائية غيرواضحة، أو تمييز أو تعال أو هيمنة نابعة من فكر موهوم مريض.. وأخيراً نقول، العامة من الناس (على إختلاف ميولهم وتوجهاتهم السياسية) بإنتظار ما يفعله العقلاء ...
مقالات اخرى للكاتب