الذين يربطون الشرف بمحددات موضوعة ومعروفة على أنها خيارات الجماعة قبل خيارات الفرد ينسون حقيقة مهمة، وهي أنه أحيانا يكون الشرف خيارا فرديا تاما وكاملا ونوعا من أنواع أحترام الشخص لذاته، فلا يراها رخيصة للحد الذي يجعله أن يفرط بها لأجل قيمة لا ترتقي لأعتزازه بنفسه، هذا النوع من مفاهيم الشرف لا علاقة له بالدين ومفهومه للشرف ولا بالقيم الأخلاقية بمعناها المعروف أجتماعيا، ولكنه ينسب من طرف أخر لدافع ذاتي محض يعود بالتكوين إلى ثقافة معطيات تربوية وتمهيدية تغذي الذات بدوافع متعالية لكنها ليست عنصرية.
هنا نفهم البعض من التصرفات التي تبدو للبعض غريبة في مجتمعات تعط لمفهوم الشرف دلالات غير التي نؤمن بها ونحتار في تفسيرها، مثلا ترى فتاة في مجتمع ما تدافع بقوة عن عفافها الشخصي ضد محاولات الأغتصاب أو الأعتداء الجنسي، في مجتمع لا يرى في ممارسة الجنس بحرية عيب أخلاقي لأنه يؤمن أن تصرف الإنسان سلوكيا تحت قوة وقرار الأختيار هو بحد ذاته دليل شرف، فيتعامل بقسوة مع من يعتدي على حرية الأخر الجنسية ويتشدد مع الأنتهاكات الجنسية والأغتصاب ولو كانت الحالات بسيطة وفي حدها الأدنى.
الحرية الجنسية وحتى الحرية بمفهومها العام أن تتصرف طبيعيا خارج مفهوم الجبر والألجاء، وبالتالي الأعتداء على الحرية هو عيب أخلاقي وأعتداء على معنى الشرف، لأن هذا السلوك يصادر من الإنسان حقه الطبيعي في أن يكون حرا ومختارا، في الفهم الشرقي وخصوصا الذي يرسمه في حدود أرتباطه بالجماعة وليس بالفرد، يجعل من معنى الشرف معنى أتفاقي سواء أكان أعتداء خارجي أو خيار فردي، المغتصبة في المجتمع المنغلقة والتي لا يهمها معنى الإرادة تنال جزاء مساوي للغاصب، لأن فعل الأخر تعدى على شرف الجماعة وبالتالي فلا بد من مسح العار بالتخلص من الرمز(المغتصبة) لأنها تذكر الجماعة به، أي بالعار وهذا ظلم لمعنى الشرف بقدر ما هو خرق للعدل والأنصاف.
الذين يؤمنون أن حدود الشرف شكلية وليست جوهرية إنما يتصرفون خارج منطق الواقع الحقيقي للمعنى والدلالة، ولكنهم وينحازون لفهم ما هو سطحي وعبثي وهو الأنتصار لقيمة المجموع بدل قيمة الشرف ذاتها، الشرف ليس فقط قيمة بل شعور بها وممارسة تجسيدية لخيار أن تكون طبيعيا ومتطبعا بالحرية، خيانة الوطن خيانة للشرف حتى لو كان في بعض المفاهيم ذا وجه إنساني، دعم الإنسانية خارج عنوان الهوية الفردية واحد من معاني الشرف وليس أنتهاكا له، حب لأخيك الإنسان ما تحب لنفسك قيمة شرفية عالية لأن الحب الذاتي الطبيعي هو خيار حر لا خيار تحت سلطة الجماعة.
إذن الشرف وقيمه وكيفية التعاط به يخرج من حدود الجماعة ويدخل في حدود الذات، فقد تجد الشرف عند فرد في مجموعة لا تؤمن به وهذا لا يعني الهراء، بل يعني أن الضمير الجمعي قد لا يصلح دوما أن يحدد لنا مفهومنا الخاص، وقد تجد من لا يؤمن بالشرف وهو في مجموعة بنت وشيدت وجودها على أساس أن الحرية والأختيار الفردي مصدر مهم من مصادر معرفة الشرف والإيمان به، لنخلص إلى حقيقة مهمة يمكن أن تناقض الكثير من المفاهيم وهي أن القيم الفردية المتسمة بالطبيعية يعنى أحتكامها لمنطق طبيعية الأشياء، هي قيم عادلة ومنطقية وحقيقية غير مزيفة وبخلافها يكون التحريف ويكون التزوير بجعل الخاص عام والعام خاص.
مقالات اخرى للكاتب