قالها أستاذ الفلسفة في جامعتنا وهو يصف قصيدةً لشاعر امريكي معروف ، إمكانية عالية مع محتوى بائس هذا الذي تقدّمه تلك القصيدة.
لقد بحّ صوت الاستاذ وهو يردّد للكتابة بنيتان، فوقية "Superstructure" وتحتية "Substructure". فالفوقية جمال المظهر ورصانة اللغة والتحتية فكرتها او محتواها.
ما أجمل النص حين تنسجم بنيتاه. محتوى قيّم وظاهر خلّاب، حينها فقط يستحق أن يكون نصّاً خالداً.
هكذا كان يعلّمنا أستاذنا.
ماذا لو اطّلع هذا الاستاذ على ما يكتبه بعض كتّابنا اليوم في العراق وخارجه؟
قديماً قالوا "لا يكون الشاعر مجرماً". مقولة كشف الواقع زيفها لأننا نرى اليوم بعض شعرائنا موغلين بالعنف حد الثمالة. فهذا يدعو في شعره لقتل هؤلاء، وذاك يرتّب أبياتاً تقطر كراهيات.
الحق لم يصطبغ الشعر بلون الدم وحده، بل صارت أغلب الكتابات هكذا، وصرنا نشهد تحولاً دراماتيكياً في الكتابة ، يحتضن مفردات العنف ويجمّلها في أسطرٍ مزوّقة.
ثمّة نوع آخر من الشعراء ، أزعم إنهم مسالمون ، لا نجد أثراً للعنف في ثنايا قصائدهم ، لكنهم غير قادرين على الكتابة خارج مخيّلة الخمر أبداً. أضحك وأنا أقرأ "عَرَق عَرَق عَرَق .. إليّ بصندوق عَرَق".
يبدو إن "العَرَق" المشكلة الوحيدة التي يعاني منها كاتب هذا الكلام. لا بأس ربما هي مشكلة فعلاً، لا أشعر بها أنا، لكني لست مجبراً على التصفيق لها.
الكتابة فعل استفزاز مبني على المعلومة في محل رفع الوعي. لا خير في الكتابة التي لا تستفز فينا الوعي ولا تبث فينا روح التعلّم. تلك التي تكون بنيتها التحتية اشكالات فلسفية تظهر في شكل ادبي رصين ، كما يقول بورخيس في إحدى لقاءاته "أنا لست مفكراً ولا واعظاً اخلاقياً بل رجل حروف يجيد ترجمة حيرته الفلسفية في نصوص ادبية".
كلام بورخيس واضح وكأنه يقول أحد أهم مقومات النص الناجح ان يكون ذا رصانة لغوية (بنية فوقية) ويحوي في ذات الوقت فكرة ومحتوى قيّم (بنية تحتية) ، لكن يبقى السؤال قائماً ، أيّهما الأهم إن لم يستطع كاتبٌ إحتواء الخصلتين معاً ؟
مقالات اخرى للكاتب