ردود فعل الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومصر وغيرها من موضوع اليمن يثير في الإنسان، عدا الدهشة والغضب والإستهجان، التفكير ايضاً. ليلاحظ “الباترون” الذي تسير فيه الأحداث في العلاقة بين إسرائيل وأميركا من جهة، وضحاياهم من العرب والمسلمين من الجهة الأخرى.
أنظر مثلا إلى مستوى النفاق الذي صار مقبولا اليوم من جميع قادة الدول العربية حيث تقرر جامعتهم أن تهب لنجدة اليمن ويقول نبيل العربي (كأن إسمه أطلق عليه للسخرية!) أن ذلك كان وفق اتفاقية الدفاع المشترك! (1)
ومن المؤكد أن كل شخص يستمع إلى "العربي" سوف يتساءل فوراً لماذا لم يتم نجدة لبنان مثلاً أو غزة وفق تلك الإتفاقية، بينما يتم إنقاذ اليمن اليوم - من مواطنيها!! (لرؤية تقرير مفصل بالمهزلة الرهيبة أنظر حديث السيد حسن نصر الله “حول آخر التطورات في لبنان والمنطقة” (2) والتي وضع فيها الكثير من النقاط على الحروف، وتساءل فيها عن حقيقة علاقة إيران ببعض الأنظمة العربية، ولماذا نشأت تلك العلاقة وعن الدور التدميري الذي لعبته المملكة العربية السعودية.. تساءل لماذا تركت السعودية لبنان وفلسطين وشعوب العرب الأخرى لتتجه إلى إيران، ولم تقدم لها حتى الدعم المادي، دع عنك الدعم القتالي في صراعها من أجل البقاء، وهل من حقها بعد ذلك أن تلوم تلك الشعوب في توجهها إلى من يقدم لها ذلك الدعم رغم مصاعبه الذاتية الشديدة..وتساءل أين دعمت جامعة الدول العربية شعباً عربياً في محنته وتساءل لماذا تهب دول الخليج لحماية الشعب اليمني كما تدعي، ذلك الشعب الذي رفضوا حتى إدخاله في مجلسهم لأنهم رأوا فيه ثقلاً مكلفاً لهم..
لاشك أن كلمات حسن نصر الله هي السم القاتل لهؤلاء، وأن كل منهم يتمنى مقتله بأكثر مما يتمنى ذلك أكثر الوحوش الإسرائيلية التي تهدد بقاء أمتهم، فحسن نصر الله يبقى الإحراج الأكبر الذي يفضح مدى الإنحطاط الذي تم إيصال هذه النفوس إليه، أمام شعوبهم، أمام أبنائهم وزوجاتهم، وأمام البشرية كلها..
ولا شك أن كل من هؤلاء الذين حضروا مؤتمر العصابة الإسرائيلية الجديدة، وتبادلوا الكلمات واستمعوا للهراء المتبادل وهم يتظاهرون بأنهم بشر كبقية البشر، لاشك أن كل من هؤلاء، مالم يكن وحشاً ليس فيه أثر للإنسانية، سيعترف بينه وبين نفسه أنه منافق ذليل وكائن هابط لم يبق فييه ما يعتز به، وانه يجب أن يسكت.
ولا يرحم متحدثهم "العربي"، هذا المخلوق العجيب مستمعيه من المخلوقات المماثلة، بل يضيف إلى جرحهم الملح حيث يقول بكل سخرية: "أن القضية الفلسطينية تواجه تحديات مصيرية تحتاج لقرارات حاسمة تخرج عن القمة العربية."!! إنه لا يكتفي بإهانة الإنسان العربي بموقفه وموقف الجامعة الدنيء في اية قضية عربية، بل يسخر منه ويهينه مؤكداً له أنه أبله، وتطل إسرائيل من خلال وجهه ضاحكة وهازئة بكل إنسان عربي، ولسان حالها يقول له: "أنظر من وضعنا على قيادتك.. وأنظر إلى مستوى الجرأة التي صار هؤلاء بها!".
ولم تستطع الصحافة الإسرائيلية ان تكتم فرحتها بهذا المهرجان. (3)
قبلها قذف الحاكم العسكري الإسرائيلي الجديد لمصر هؤلاء بتصريح صادم آخر حين صرح أنه قد حان الوقت لإنشاء "الجيش العربي الموحد"!
ولا يخطر ببال الأدمغة الذليلة الجالسة الفاغرة افواهها وهي تنظر ببلاهة، أن تتساءل لماذا الآن؟ وهل لم يسبق أن حان مثل هذا الموعد في الماضي المليء بالكوارث لهذه الأمة؟ لا يتساءلون لأنهم يفهمون أن المقصود من مثل هذا الجيش أبعد ما يكون عن ردع الكوارث عن هذه الأمة، بل التعجيل بها وأن يكون سوطاً يجلد به أي شعب يفكر بالحياة أو الكرامة. وهم يفهمون أن كل منهم مطالب أن يبرهن أنه سباّق إلى نسيان الكرامة الإنسانية إن أراد البقاء في مكانه كلباً على القطيع.
وبالفعل اقروا تشكيل " قوة عربية مشتركة"، وسارعت هذه فور إنشائها بتنفيذ اولى مهماتها وبنشاط لم تعهده المنطقة من قبل! وينص مشروع القرار على أن "هذه القوة تنفذ مهمات التدخل العسكري السريع، ومواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء" (من خطر شعوبها فقط بالطبع) ووصف ذلك لسان هذه المخلوقات بأنه "قرار تاريخي".(4)
ولا شك أنه قرار “تاريخي” كما تفضل "العربي" الذي اعطي هذا الإسم سخرية بالعرب، لأنه ليس من السهل تخيل تحول منظمة لمجموعة دول أسستها لحماية نفسها إلى منظمة إرهابية دولية لتأمين سلطة أعدائها على شعوبها.. ولو لاحظنا الخط الذي أوصلنا إلى هذه النتيجة سنجد أنه يمكن تقسيمه إلى جزئين من وجهة نظر إسرائيل. المرحلة الأولى كانت تهدف إلى شل جامعة الدول العربية بواسطة عملائها فيها ومنعها من التصرف وتنفيذ المهمة التي أنشأت من أجلها. وبعد أن تحققت هذه المرحلة، كان واجب هؤلاء العملاء أن يعيدوا الحياة إلى تلك المؤسسة، وينفخوا فيها النشاط، ولكن لهدف معكوس تماماً، وهو خدمة أعداء الأمة وحماية عملاء إسرائيل في كل بلد عربي. وها نحن نرى بوضوح أن ذلك قد تم إنجازه.
والحقيقة أن هذه لم تكن المرة الأولى التي تمارس فيها جامعة الدول العربية مهمتها الجديدة، فقد أدت واجبها تجاه إسرائيل في تنظيم الهجوم الإرهابي على سوريا. وحينها أيضاً تقبلت المخلوقات التي تجلس على الكراسي قرارات خارج إطار الجامعة العربية وقوانينها التي تقتضي أن تكون القرارات بالإجماع.
ويمكننا هنا أن نلاحظ ملاحظة ظريفة وهي أن هذا النص قد وضع أصلا لشل هذه الجامعة عن القرارات عندما كان شللها هو ما تريد أميركا وإسرائيل، والآن تحول هذا النص إلى نص معرقل للجامعة عندما كان المطلوب منها أن تنشط في خدمة إسرائيل، فتم تجاهله بكل سهولة وطردت سوريا دون الحاجة إلى إجماع!
إن من مازال لا يرى النجمة الإسرائيلية على أكتاف "العربي" وحكام السعودية ومصر والأردن ودول الخليج، تحت ملابسهم وأنياباً ومخالب تشتاق إلى دمائه، لا يمتلك الحواس اللازمة للبقاء على قيد الحياة، ومن يضع خياله المرعوب تلك النجمة وأنيابها في كل مكان فيختلط عليه الأمر، ليس بأفضل حال منه.
الإنسان العربي يحدق اليوم في هاوية فنائه لكنه لا يرى تلك الهاوية ولا يخشاها بقدر ما يخشى الأشباح التي قيل له أنها تطارده من الخلف. طبالون تم تدريبهم ليقرعوا خلف القطيع التائه بإيقاعات الخوف من إيران ومن بعضه البعض. ضوضاء تمنعه من التفكير وتدفع به إلى الركض نحو ما لا يدريه، كما دفع يوماً في الماضي هو وغيره من الشعوب إلى وهم الخوف من الشيوعيين ليقفز في حضن الرأسمالية التي انفردت به منذ ذلك الحين لتذيقه المر وتنهش ثروته وتمتص نسغ حياته ومستقبله.
شعبنا مايزال، وهو يرى كل هذا ويراقب ما يحدث، ورغم ذلك يبقى يلقي اللوم على إيران وسوريا وحزب الله ويصدق كل مخاوفه الوهمية على حساب حذره من الوحوش الحقيقية التي تنهشه بالفعل.. وما لم ينجح هذا المغرق في الوهم سريعاً في مراجعة سلامة حواسه وتأكده مما يخيف وما لا يخيف، ما يجب أن يرتعد منه وما يجب أن يقترب منه... كل من لا يميز من هو الذئب ومن هو الصديق لا فرصة له بالنجاة! وكذلك كل من يرى لذهوله وفرط رعبه أن "كل من حوله ذئاب"، يصيبه الدوار لهول المشهد، ويبقى مشلولاً غير قادر على الإتيان بحركة واحدة لإنقاذ نفسه! وبدلا من أن يهرع ليمد يده مستنجداً بالأصدقاء، فإنه يدور في مكانه على حافة النهاية، يحدق بأوهامه، منتظراً الدفعة الأخيرة، والضحكة الأخيرة!
(1) جامعة الدول العربية:العملية العسكرية باليمن تستند لاتفاقية الدفاع المشترك
https://www.youm7.com/story/2015/3/26/-/2118485
(2) كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حول آخر التطورات في لبنان والمنطقة 27 آذار 2015 - YouTube
https://www.youtube.com/watch?v=X6TbAu0SohY&app=desktop
(3) تل أبيب: نأمل للسعودية النجاح
http://www.al-akhbar.com/node/229205
(4) وزراء خارجية العرب يتفقون على تشكيل قوة عربية مشتركة
http://www.alalam.ir/news/1689128
مقالات اخرى للكاتب