منذ ألأسبوع ألأول الذي دخلت فيه كلية ألآداب – قسم اللغة ألأنكليزية عام 1978 وزع علينا أستاذ – ألأستيعاب- الدكتور فريد نانو كراريس المادة التي سيدرسها لنا في ذلك الفصل. كان أول موضوع درسناه هو – Equal pay for un Equal travel- أي أجرة متكافئة لرحلة غير متكافئة. ظلت هذه العبارة عالقة في ذهني كلما مررت في موقف مشابه لهذه الحالة. يوماً ما في سنوات الحرب في الثمانينات حينما كنت في البصرة مع آلاف الجنود المتجمعين في ساحة سعد للعودة الى بغداد في إجازاتنا الدورية . كان يوم عرفات وكنا نبحث عن أي سيارة نستقلها الى بغداد مهما كان الثمن. جاءت مركبة طويلة – منشأة- وركضت صوبها أمواج الجنود من كل حدب وصوب. بعد صراع مرير حصلت على مكان داخلها عند المقعد ألأخير ولكن وقوفاً وليس جلوساً . كان عدد الجنود الواقفين أكثر من الجالسين. قرر السائق أن يجمع الثمن – الكروة- قبل أن ينطلق كي يضمن الحصول على كافة النقود دون نقصان. حاول بعض الجنود أن يقنعوا السائق أن ثمن أجرة الشخص الواقف ينبغي أن تكون أقل من أجرة الشخص الجالس لأسباب تتعلق بعدم ألأرتياح في البقاء في وضع الوقوف مايقارب سبع الى ثمانِ ساعات في حين سيكون الجالس مرتاحاً وسينام ساعات طويلة لكن السائق رفض ذلك المقترح رفضاً قاطعاً وطلب من أي شخص لايدفع الأجرة كاملة أن يترجل من السيارة. سكت الجميع لأنهم يريدون الوصول الى عوائلهم بأي ثمن. كنتُ واقفاً من البصرة الى بغداد في ليلٍ طويل وتعب ليس له مثيل. كنتُ أردد مع نفسي ” كيف يمكن أن يحدث هذا الشيء؟ هذا ضد قانون الحياة والمنطق. في كل مرحلة من مراحل الحياة توجد هناك أفضلية من حالة الى أخرى إلا في حالات السفر كهذا النوع الذي يحدث في العراق. الغريب أن هذا النوع من السفريحدث في العصر الحديث – كما حصل لي عندما ذهبت الى كربلاء من بغداد في سيارة ألأجرة الصغيرة – التاكسي-. من يجلس في المقعد الخلفي يدفع 10 آلاف دينار ومن يجلس في المقعد ألأمامي يدفع 15 ألف دينار عراقي. من يريد أن يعرف السبب يذهب الى كراج – علاوي الحلة – ويسال عن ذلك. الشيء الغريب ألآخر هو أن الشعب العراقي بدأ يعيش هذه الحالة في الزمن الحاضر والزمن الذي قبله. نحن الفقراء من عامة الشعب نعيش على هذه الأرض ونمارس نفس الطقوس والشعائر الدينية ونخضع الى نفس القانون ونتعرض الى كل العقوبات في حالة مخالفة القانون ومع هذا توجد هناك طبقة معينة لانعرف إذا كان يحق لنا أن نطلق عليها كلمة – الشعب- لأنهم لايتعرضون الى أي عقوبة في حالة مخالفة القانون..هم يسرقون ويرتكبون حماقات كثيرة ومع ذلك لايطبق عليهم القانون وكأنهم ينتمون الى فصيلة خاصة من البشر. هم لايذهبون الى جبهات القتال في حالة تعرض البلد الى إعتداء خارجي في حين أننا – نحن الفقراء ينبغي علينا أن ندافع عن البلد عند حدوث أي إعتداء ونموت من أجل الوطن وننزف الدماء ومع هذا لانحصل على واحد بالمئة مما يحصل عليه أولئك الذين ينتمون الى تلك الطبقة الغنية السياسية ..حسناً أننا في رحلةٍ واحدة وندفع ثمناً باهظاً ولكن بلا جدوى..الرحلة واحدة لكن الثمن يختلف.
مقالات اخرى للكاتب