ان تطبيق المسلمات المادية على المجتمع يؤدي الى نوع من الاشتراكية – وهذه المسلمات نفسها اذا طبقت باصرار على حياة الفرد فأنها ستؤدي الى ما اعتدنا تسميته (ابيقورية).
(الابيقورية) لذلك فردية بينما (الشيوعية) نتيجة للفلسفة المادية. (واذا كنت املك حياة واحدة، فإنها ملكي انا وحدي)
هذا اكثر منطقيًة من اي كلام عن التضحية من اجل الاجيال الحاضرة او القادمة. ان الانسان في مجتمع دائم الشوق لان يحيا ويفكر ويتصرف كفرد. وفوق هذا يتكشف عن ميل متصل لانتهاك المعايير الاخلاقية والقوانين. واي نظام لا ياخذ في اعتباره فردية الانسان ويريد ان يراه فقط عضوا في مجتمع بالرغم من كل الحقائق المضادة، فإنه يبدأ من افتراض خاطئ. ولا فائدة من الرجوع الى مثال النحل والنمل، فلو ان النحلة كانت قادرة على التفكير، ولو لم تكن مقيدة بغريزتها، لتجنبت العمل. وقد تحاول ان تأكل من الرحيق الذي جمعته زميلاتها من النحل الاخر.
ولما ذهب النمل الابيض الى حتفه راغبا لكي ينقذ مجتمعه، فلو كانت لديه حرية الاختيار لأختار بالتأكيد الحياة بدلا من الموت.
اما الانسان فانه كثير الحديث عن مصلحة المجتمع، بينما في واقع الحياة يعمل من اجل مصلحته الخاصة. وهي حقيقة تترتب عليها مصاعب عملية جمًة في النظم الاشتراكية ( المشكلة الشائعة في جميع الدول من هذا النوع هي انعدام المسؤولية) - - هذا التضارب غير ممكن في المجتمعات الحيوانية، لان الحيوانات لا اختيار لها حتى تتصرف لمصلحتها الخاصة بصرف النظر عن مصلحة المجتمع. اما في الانسان فلديه هذا الاختيار – وهي حقيقة لا يجب تجاهلها باي حال – وعلى ذلك فالناس في موقف يمكنهم ان يخترعوا نظاما سياسيا لكائنات موهوبة بالقدرة على الاختيار، او ان يدمروا هذه القدرة بالقوة، وهم يسلكون في العادة احد هذين الطريقين.
وقد شعر المفكرون الاشتراكيون بان نفسية الافراد او ما يسمى بعلم النفس الفردي – والذي يعبر في الحقيقة عن الرغبة الموروثة في الحرية - - - وهي العقبة الرئيسة في طريق الجنًة الاشتراكية الجماعية المأمولة. وهذا هو السبب في نهم دائم الحديث عن المجتمع والانتاج والتوزيع والجماهير والطبقات . . الخ في حين يتجنبون الكلام عن مشكلات الناس من حيث هم افراد. انهم يكرسون (حقوق الشعب) في مواجهة (حقوق الانسان) - و (حقوق المجتمع)
في مواجهة (الحقوق الانسانية)
بالنسبة للانسان، كل قرار ينطوي على اختيار للاصعب وكل تغليب لمصلحة اجتماعية على المصالح الفردية، انما يتم خلال صراع داخلي بين دوافع مختلفة في اطار منظومة اخلاقية. في مواجهة هذه الحقائق بدأ الماديون يتحدثون عن الوعي، موضحين ان المصطلح انما يعني الوعي الاجتماعي، بمعنى شعور الفرد بانتمائه الى مجتمع، وبان حياته تتحقق من خلال عضويته في المجتمع، ولكن، لان الوعي ليس سوى مرادف للاخلاق، فان الماديين قد انتهوا بذلك الى ادخال عنصر غريب تماما ليس مُدرجا في قائمة المذهب المادي. فاذا كان الناس حقيقة اعضاء في مجتمع – وانه لا يمكنهم الا ان يكونا كذلك – فحسب، فان الاشتراكية تكون ممكنة. ولكن هذه النظرة الى الانسان نظرة احادية الجانب، ولذلك فانها تقدم صورة غير صحيحة عن واقع الانسان. فحيث ان الانسان فرد مستقل، وحيث انه قادر على الاختيار، وحيث انه كائن اخلاقي قادر على عمل الخير والشر، وحيث انه في كلمة واحدة – انسان – فان الاشتراكية العلمية في شكلها الثابت غير ممكنة .
الى الحلقة التالية !
* مقتبس من كتاب (الاسلام بين الشرق والغرب) لعلي عزت بيجوفيتش.
مقالات اخرى للكاتب