أتمنى ان يكون خبر قرار بناء دريم لاند (ارض الاحلام) في الديوانية خبر صحيح وليس لأجل تهدئة أعصاب المتظاهرين هناك. الخبر افرحني , بعد ان اصبحت الاخبار القادمة من العراق لا تسر صديقا ولا تحزن عدوا. الخبر يقول ان حكومة القادسية قد وافقت على تأسيس مدينة سياحية تحت اسم دريم لاند الديوانية عن طريق الاستثمار تكون إدارة المشروع تحت اشراف الجهة المستثمرة لمدة 45 سنة , تمنح إدارة المدينة السياحية الحكومة المحلية 10% من أرباحها السنوية .
أهمية هذا المشروع لمحافظة الديوانية واضحة وهي مالية واجتماعية وحتى سياسية وثقافية. ماليا , ان تأسيس مثل هذه المشاريع سوف يجذب الزوار لها من داخل وخارج المحافظة , إضافة دخل جديد للمحلات التجارية المجاورة للمدينة السياحية , زيادة الطلب على الايدي العاملة من اهل المدينة , زيادة دخل المواطن لأهل المدن المحيطة بالمشروع , وزيادة المستوى المعاشي لهم . هذه المشاريع تدر دخل مباشر وغير مباشر. الدخل المباشر هو إيرادات بيع بطاقات الدخول , اجرة صعود الألعاب , شراء الهدايا و الهدايا التذكارية , و مبيعات المطاعم و محلات المرطبات . الإيرادات الغير مباشرة هو دخل المحلات التجارية خارج بناية مشروع دريم لاند مثل بيع البانزين , ورش تصليح السيارات , الفنادق , المطاعم , ومحلات بيع الهدايا . بمعنى اذا استطاعت دريم لاند استيعاب 4,000 عامل وموظف , فان عدد المستفيدين من هذا المشروع من اهل المدن المجاورة قد يتجاوز 8,000 مواطن . وعليه على الحكومة المحلية ان تعلم ان توقيع عقد انشاء هذا المشروع لا يحررها من التزامات أخرى لا تقل أهميتها من توقيع الموافقة على المشروع. على المحافظة تهيئة الأراضي لبناء المحلات التجارية , الفنادق , المطاعم , وحتى الأسواق التجارية (المول) . كما وعلى حكومة الديوانية انشاء الطرق الحديثة التي تربط هذه المدينة بالمدن المهمة الأخرى , توفير الماء الصالح للشرب , الانترنيت , مستوصف , الإضاءة , العلامات المرورية التي تقود السواق الى مناطقهم . وعلى الحكومة المحلية تشجيع زراعة الخضر والفواكه في المدن المحيطة لهذا المشروع لان زيارة مليون زائر في السنة يحتاج الى على الأقل مليونين كيلو غرام من الخضر والفاكهة والحوم.
هذه المشاريع لها وظيفة أخرى قد تفوق مواردها المالية وهي تأثيراتها الاجتماعية والثقافية والسياسية ليس فقط على اهل الديوانية فحسب وانما لعموم البلد. بدون شك فان زيارة أي مرفق من مرافق الترفيه هي حالة صحية وتثقيف للمواطن. السفر يرفع الهم والغم ويعرف المواطن على مدن ربما لا يستطيع زيارتها وربما لا يعرف اين هي من الخارطة العراقية. الزائر يتعلم ويطلع على ثقافة اهل المدن , طريقة حياتهم , تفكيرهم , احوالهم المعاشية والاجتماعية , وربما يقع في حبها الى درجة يقرر العيش فيها . وهذا هو ديدان العراقيون , اختيار السكن في المدن بغض النظر عن هويتها الدينية والمذهبية والعرقية . لعنة الله على سياسيو اخر الزمن من أيقض الفتنة بعد ان كانت في سبات عميق. بدون سياسيو الفتنة كان العراقي حر بالحال والترحال , يحل في مدينة يهواها قلبه . فظهرت مجاميع شيعية في وسط مدن سنية , ومجاميع صابئة ومسيحية وسط مدن شيعية , وكذلك مجاميع كردية في مدن عربية . هل يعلم السيد مسعود البارزاني ان في كل محافظة عراقية هناك "عكد الاكراد"؟ هل سيحرك جيشه واحتلال هذه " العكود " لأنها كردية؟ الله اعلم. في هذا العالم، أصبح كل شيء متوقع.
ثم هناك فائدة عظيمة لهذه المشاريع، وهي حماية الوحدة الوطنية. نعم المشاريع الكبيرة ذات النفع العام تحمي الوحدة الوطنية من خلال مشاركة جميع الأطياف الوطنية في إدارة وتشغيل هذه المشاريع. لا يوجد مشروع كبير يدار بكامله من أبناء مدينة واحدة. حاجة المشاريع الكبيرة من الخبرات متنوعة ربما لا تجدها إدارة المشروع قريبة منها. لا يعقل ان خبرات اهل الديوانية كافية لإدارة وتشغيل مشروع ضخم مثل "دريم لاند" وسوف تضطر إدارة هذا المشروع الى الاستعانة بخبرات ربما لا تجدها الا بمواطن من اهل الموصل او الانبار او تكريت او في إقليم كوردستان. وليس غريبا بان يختار طالب جامعي من اهل سامراء قضاء عطلته الصيفية بالعمل في هذا المشروع. المواطن العراقي يعتبر كل مدينة عراقية هي بيته وليس غريبا ان نلاحظ موجات هجرة بين المدن كلما زادت فرص العمل فيها. هذه الظاهرة سوف تكون هي القاعدة ما دام العراق واحدا وعلى رغم انوف الساسة الطائفيون والقوميون. هكذا هو العيش في أوربا وامريكا , المواطن يختار المدينة التي تحقق طموحه وراحته , فتجد ابن مدينة نيويورك يعيش في فلوريدا وابن فلوريدا يعيش في فرجينيا وابن فرجينيا يعيش في كولورادو.
ان المراكز الترفيهية الضخمة والتي تصمم لأجل جلب أكبر عدد من الزائرين من داخل البلد وخارجه أصبحت تماما مثل المطارات العالمية تمثل وحدة البلاد. وانت تزور مطار لندن , هل لاحظت عدد العاملين فيه من الأصول غير الإنكليزية . بالحقيقة لقد اندهشت في زيارتي الأخيرة لهذا البلد وانا اشاهد التنوع العرقي للعاملين فيه. هذا الحديث ينطبق على إدارة وتشغيل الموانئ , محطات القطار , و مراكز البحوث العلمية الأخرى . إدارة هذه المؤسسات لا تنظر الى هوية المتقدم للعمل الدينية او العرقية او الحالة الاجتماعية وانما تنظر الى مؤهلات المتقدمين للعمل فقط. رجل الاعمال ليس رجل دين متعصب , رجل الاعمال غايته الربح والبقاء قويا بوجه المنافسين له وسوف لا يختار الا الشخص المؤهل للمنصب بغض النظر عن اصوله الدينية او العرقية او الاجتماعية . ثم هناك حقيقة أخرى , ربما عاشها العراقيون في أعوام الستينيات و السبعينيات والثمانينيات القرن الماضي وهي كثرة حالات التزاوج بين طلاب الجامعات . لقد أصبحت الجامعات العراقية رمز وحدة العراق ومكان تذوب به الطائفية والعرقية. في هذه الفترات شاهدت الجامعات العراقية موجة زواج بين السنة والشيعة وبين العرب والاكراد , وبين المسلمين وغير المسلمين . الاحصائيات تقول ان نسبة التزاوج بين المذهبين قد وصلت الى ما يعادل 22% , ولولا الساسة الطائفيون والقوميون والذين استعملوا الطائفية والقومية ورقة يعتاشون عليها لكانت النسبة اكثر بكثير .
النتيجة ان الخبر من الديوانية يثلج قلب كل مواطن شريف يحب العراق ويطمح بوحدة شعبه. امل ان يكون المشروع مشروع خير ليس لأهل الديوانية وحدهم وانما مصدر خير لجميع العراقيين , لان مثل هذه المشاريع ستكون السمنت الذي يحول الطابوق الى جدار صلد بوجه من يريد تمزيق وحدته.
مقالات اخرى للكاتب