موسوعة (غينيس) هي عبارة عن كتاب مرجعي يصدر سنويا ويحتوي على الارقام القياسية العالمية والمتميزة في شتى المجالات , وقد برزت فكرة هذه الموسوعة في عام 1951 حيث بدأت تتجسد واقعا حتى تحققت بإصرار اول موسوعة توثيقية عام 1955 بواسطة شركة غينيس والتي حققت مبيعا لا نظير له في عالم مبيعات الكتب في ذلك الوقت حتى اصبحت العلامة التجارية (Guinness World Records) اسما مألوفا , وتخزن في هذه الموسوعة كل الارقام والاعلى في جميع المجالات الاخرى مثلا ( اكبر أو اسرع أو اثرى أو اكثر وزن أو اطول او اقصر او رجل او امرأة في العالم وهكذا الحال في جميع المجالات ) كما يحتوي على معلومات في غاية الاهمية وتجدد الارقام القياسية على الدوام .
اما عنوان هذا الموضوع وعلاقة الموسوعة اعلاه بقضية الامام الحسين عليه السلام ومدينة كربلاء المقدسة فقد برزت لدي فكرته عندما عايشت وعلى مدى عدة ايام الملايين الزاحفة لزيارة الامام الحسين عليه السلام من المسلمين وغيرهم ومن كل ارجاء المعمورة واللذين جاءوا عبر مئات الكيلومترات مشيا على الاقدام داخل الاراضي العراقية فضلا عمن دخلوا الحدود العراقية البرية من دول مجاورة او عبر المطارات او الموانئ, اذ تجلت لي بعض الحقائق التي لابد ان تكون لموسوعة غينيس للأرقام القياسية حظوة ببعض تفاصيل هذا الحدث الفريد من نوعه والذي يتكرر عدة مرات في السنة في مدينة صغيرة كمدينة كربلاء المقدسة وقد لخصت هذه الحقائق بما يلي :
1. تعد كربلاء مدينة مقدسة لدى المسلمين اينما كانوا والتي يضم ترابها الضريح الطاهر للإمام الحسين(ع) وهو سبط رسول الله محمد (صلى الله عليه واله وسلم) منذ واقعة الطف قبل ثلاثة عشر قرنا وهي مدينة صغيرة قياسا بالمدن السياحية الكبرى في العالم , ولكنها تعد الاولى في العالم بعدد الزائرين سنويا لغرض الزيارات الدينية للمراقد المشرفة فيها ومن اهمها مرقد الامام الحسين واخيه ابا الفضل العباس عليهما السلام وقد يصل عدد الزائرين سنويا الى عشرات الملايين من الزائرين حيث ذكرت اخر احصائيات لمحافظة كربلاء بأن عدد الزائرين في شهر صفر فقط لسنة 1435 هجرية وصل الى حوالي 20 مليون زائر وعلى مدى حوالي عشرين يوما جاءوا الى كربلاء سيرا على الاقدام من مختلف المدن العراقية وقد قطعوا مئات الكيلومترات مشيا على الاقدام وبعضهم من جاء من مناطق نائية فضلا عمن دخلوا عبر الحدود البرية من بعض دول الجوار علما بأن هنالك عدة زيارات مليونيه اخرى خلال السنة اضافة الى مئات الالاف يزورون كربلاء كل يوم خميس وزوار اجانب وعلى مدار ايام السنة, والسؤال هنا الا يعد هذا العدد الهائل من الزائرين ان يدخل مدينة كربلاء المقدسة في موسوعة غينيس كونها حققت اعلى نسبة عدد زائرين في السنة ولاسيما قدومهم مشيا على الاقدام
2. ان هذه الاعداد الهائلة من الكتل البشرية المليونيه التي تزور مدينة كربلاء المقدسة وخلال ايام معدودة تحتاج الى خدمات لوجستية من الطعام والشراب والمنام والعناية الصحية والسلامة العامة اضافة الى توفير الامن لهم وغيرها من الخدمات الاخرى خلال مسيرة الزائر عبر مئات الكيلومترات مشيا على الاقدام والتي يصعب على أي دولة في العالم تحقيقها وكذلك توفير وسائل النقل عند عودة الزائرين الى مدنهم علما ان اغلب الخدمات تقدم مجانا من قبل المواطنين ومن مختلف المحافظات ومن ضمن امكانياتهم الذاتية حيث يقومون بإنشاء المخيمات وموائد طعام بمختلف انواعه واشكاله على امتداد مئات الكيلومترات وعلى ثلاثة وجبات مجانا
ولا اعتقد بان هنالك شعب بالعالم يقوم بتأمين كل هذه الخدمات اضافة الى تقديم خدمات عديدة ومتنوعة لا تخطر على بال أي جهة خدمية متخصصة مثل اصلاح احذية الزائرين وصبغها وتأمين اتصالات هاتفية للزائرين وغسل ملابس الزائرين مجانا وبشكل طوعي من قبل المواطنين , والسؤال هنا الا يعد الشعب العراقي صاحب الرقم القياس الاعلى في العالم بالكرم والسخاء لما يقدمه سنويا من جهود وانفاق الاموال من اجل خدمة الاخرين
3. الا تعد موائد الطعام الحسينية المجانية و الممتدة عبر مئات الكيلومترات هي الاكبر في العالم
4. أن المخيمات الممتدة على مئات الكيلومترات لإيواء ملايين الزائرين تعد اكبر مخيم (فندق) في العالم ضمن قياسات موسوعة غينيس واليوم هذه المخيمات اوت مئات الالاف من ابناء شعبنا النازحين من محافظات الموصل والرمادي وصلاح الدين ولعلها تشكل اكبر مأوى او مخيم للنازحين في العالم وفقا لمعيار موسوعة غينيس
5. لا اعتقد بأن هنالك فعالية او نشاطا دينيا مقدسا يمارس بالسير على الاقدام لمسافات طويلة ولمئات الكيلومترات مثلما يحصل في كربلاء المقدسة وعليه نسأل هنا الا يعد المارثون الحسيني للسير على الاقدام هو الاكبر في العالم؟
6. من خلال معايشتنا لهذه الزيارات المليونية سنويا ومن خلال لقاءاتنا المتواصل بالسادة المسؤولين واطلاعنا على تفاصيل سير الزيارة رسميا ورغم قدوم ملايين الزائرين مشيا على الاقدام ولمسافات طويلة وازدحام الطرق والمواقع الخدمية الاخرى فلم نشهد حدوث أي مشكلة او مشاجرة او حادث عدائي بين اثنين بل على العكس فقد نشهد دائما الحب الوئام والاخلاق الحميدة الحسنة والسلوك الرائعة في التعامل مع بعضهم واجواء التعايش السلمي دائما سائدة بين الزائرين بل كثير ما نشهد عمليات صلح للمتخاصمين سابقا قبل موسم الزيارة وتسامح فيما بينهم ونجد التجار والاغنياء يتنافسون لخدمة الزائر الفقير والضابط لخدمة الجندي والرئيس في العمل لخدمة المرؤوس من رجال ونساء , ونشهد حضور كبار السن والاطفال ومن ذوي الاحتياجات الخاصة دون حدوث أي مشاكل او مشاجرات , والسؤال هنا الا تستحق هذه المناسبة الحسينة باعتبارها الاولى في العالم للسلام و التعايش السلمي بين ابناء الشعوب
7. ذكرى عاشوراء الحسين تعتبر اكبر مجلس عزاء في العالم والامام الحسين عليه السلام هو اكثر شخصية في العالم بكته الناس وعلى مدى اكثر من ثلاثة عشر قرنا
8. ان الحقائق التي اوردتها انفا اعلاه تستحق الدراسة والتأمل كونها ظاهرة فريدة في العالم ولا مثيل لها لذلك اقترح على القائمين في ادارة العتبات المقدسة في كربلاء مفاتحة القائمين على ادارة موسوعة غينيس لتدوين وتوثيق الارقام القياسية اعلاه وغيرها وان يدخلوا الفعاليات الحسينية القياسية في هذه الموسوعة لتعريف العالم بالدين الاسلامي الحقيقي كونه رمزا للسلام والوئام والتعايش السلمي وحقوق الانسان والتعاون وليس كما يحاول بعض المتطرفين من تشويه سمعة الاسلام بالقتل وسفك الدماء وقطع رؤوس البشر ظلما وعدوانا
9. أن هذا المارثون المليوني العالمي لا يخلو من سلبيات وعليه يتطلب التوعية والتثقيف لصيانة سلبياته وتصحيحها ليكون أنموذج ايجابي لوحدة الصف والتكافل الاجتماعي والترابط الانساني ليعكس صورة الاسلام الصحيح وفقا لقول خاتم الانبياء والمرسلين (صلى الله عليه واله):
((مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى))
مقالات اخرى للكاتب