لا أحد يذكر الان فيلم سعيد افندي ، الفيلم العراقي الذي حقق نجاحا كبيرا ، والذي انتج وعرض عام 1957 بطولة يوسف العاني والفنانة زينب التي مثلت لاول مرة في حياتها في هذا الفيلم ، وقد رحلت عن الدنيا في السويد بعد معاناة طويلة اواسط التسعينات من القرن الماضي .
كان لفيلم سعيد افندي صدى واسعا في الاوساط الشعبية التي كانت متذمرة من الحكومة الرجعية وحليفها الاقطاع المتخلف .
كانت الجماهير الفلاحية تئن تحت سلطة الاقطاع الغاشمة التي كانت تتكئ على الحكومة التي أعطتها سلطات مطلقة في التصرف بحقوق وحياة الفلاحين من خلال القانون العشائري واللزمة والتقاليد البدوية البالية التي كانت تحرم الفلاحين من حقوقهم البسيطة ، ولا تسمح لهم حتى بالعيش بادنى مستوى من حياة البشر ، فكانت حياة الفلاحين سلسلة من المآسي التي يتلظى فيها الفلاح المعدم ، واذا ظهرت منه اية بادرة احتجاج فالعسف والظلم وهدر دمه هو مصيره الحتمي ، لذلك حدثت عدة انتفاضات فلاحية كانت اشهرها انتفاضة آل ازيرج في العمارة .
وليس افضل من هؤلاء الفلاحين العمال الذين كانوا يعملون في ميناء البصرة وفي السكك الحديد ، وفي النفط ، وكانت احتجاجات عمال السكك ببغداد وعمال الموانئ بالبصرة وعمال النفط في كاورباغي/ كركوك من اشهر الاحتجاجات التي قام بها العمال في العهد الملكي .
كان الظلم والفساد مستشريا ، فجاء فيلم سعيد افندي ليعزف على وتر الاحتجاج الجماهيري ، وما اشبه اليوم بالبارحة ، فالمواطن العراقي اصبح مستاء من اداء الحكومة التي تتكئ على المليشيات وعلى قضاء متقلب وعلى سلطة المصارف والبنوك التي تنهب ثروات البلاد بطرق ملتوية وباحتيالات منها قانونية واخرى شرعية ، والنتيجة التي يلاحظها المواطن هي توقف الاعمار وانتشار البطالة وظهور طبقة طفيلية من القطط السمان الذين يتربعون على اعلى المناصب الحكومية والادارية والعسكرية وينهبون ثروات البلاد دون رقيب أو حسيب.
المفارقة التي شاعت في فيلم سعيد افندي واصبحت محل تندر بين الناس هي حين ياتي سعيد افندي الى السوق ليشتري سمكة من بائع السمك ، ولكي يفحص السمكة كي يرى ان كانت طازجة او فاسدة عفنه الرائحة ، اخذ يشمها من ذنبها ، فاستغرب بائع السمك من هذا الفحص ، فقال له يا سعيد افندي اذا اردت فحص السمكة لماذا تشمها من ذنبها، يجب عليك ان تشمها من رأسها لتعرف ان كانت طازجة ام فاسدة ، فاجابه سعيد افندي انه متأكد من ان رأسها فاسد ولكنه يريد معرفة ان كان الفساد قد وصل الى ذنب السمكة ام لا .
كل ذلك حدث في عهد كان فيه الشرطي حين يرتشي يستوفي من المخالف غرامة قدرها درهم واحد ، وسمي الدرهم واشرا ، ولذلك كانوا يسمون الشرطي المرتشي ابو الواشر.
الرشوة التي كانت درهما يومذاك كان الناس يستهجنونها ، فكيف اليوم والرشاوى تبلغ ملايين الدنانير ، والسرقات بلغت مستويات لا تقاس حتى بلغ السيل الزبى وتعدت المليارات !!
رحماك يا عراق سعيد افندي .
مقالات اخرى للكاتب