أقصى جنوب العراق مدينة كانتْ في نهاية السبعينات تغفو على شاطئ الخليج العربي لكن الأقدار جعلت منها مدينة الحرب ألا وهي مدينة الفاو. أثناء الحرب المستعرة بين العراق وايران في الثلث الثاني من عام 1980 اندفع الجيش العراقي داخل الاراضي الايرانية ردا على الاعتداءات الحدودية اضافة الى الاحداث الداخلية في الكليات البغدادية (لا يغيب عن الأذهان احداث كلية المستنصرية) أي ان العراق من جانبه يؤكد ان الحرب بدأت في 22/9/1980 في حين ايران تدعي بان العراق بدأ عدوانه على ايران قبل هذا التاريخ واعتقد ان الامم المتحدة هي التي ستقرر من بدأ الحرب ونلاحظ ان الجيش العراقي وضع لوحة كبيرة تؤكد ان تحرير مدينة الفاو كلف الشعب 52948 شهيدا حيث حررت في 17/4/1988, ما أود أن اذكره هو موضوع اعمار الفاو بعد إيقاف الحرب في 8/8/1988 حيث اطلق على هذه المدينة الجميلة (الفاو مدينة الفداء وبوابة النصر العظيم) كلفت شركات وزارة الاسكان والتعمير بـإعادة اعمار هذه المدينة كل شركة قامت باعمار جزء من المدينة وسأركز على موضوع اعمار هذه المدينة من جانب الاعمال التي قامت بها شركة المعتصم للمقاولات لكوني كنت اشغل مدير الشؤون المالية والتجارية فيها. إن الاعمال التي انيطت بشركتنا هي (إنشاء ساحة الاحتفالات الكبرى + بناء مصرف الرافدين + بناء عدة دور للموظفين) على ان تنجز كافة الاعمال من قبل شركات الوزارة بمدة مائة وثمانين يوما من تاريخ تسليم الخرائط للشركات حتما. كان الاستاذ المهندس عبد الكريم عباس رئيس الشركة ويعمل في شركتنا خيرة المهندسين الاكفاء وتم بـإيعاز من قبل رئيس الشركة نصب خباطة مركزية في موقع يتوسط تلك الاعمال اضافة الى تنسيب عدد من السيارات الكبيرة التي تعود للشركة منها. لوريات قلاب ولوريات شاصي لنقل المواد الانشائية ومن ضمنها السمنت من موقع معمل سمنت الكوفة. كما يوجد ضمن ملاك الشركة موظفون ماهرون مثل الحداد والنجار والبنّاء والفورمن وتم الاستعانة بعمال غير ماهرين من اهالي المنطقة وهؤلاء جميعا يعملون تحت اشراف مهندسي الشركة. كان المشرف المباشر من قبل الوزارة وكيل الوزارة المهندس محمود ذياب الاحمد (الذي اصبح وزيرا للاسكان والتعمير ثم وزيرا للداخلية لاحقا) وحدث شيء غير متوقع في بداية العمل بين رئيس الشركة ووكيل الوزارة على موقع الخباطة المركزية تطور الامر الى شجار بينهما مما حدا برئيس الشركة مغادرة موقع العمل والعودة الى مقر الشركة في بغداد واتصل بالسيد وزير الاسكان والتعمير وعلمت لاحقا بان رئيس الشركة لم ينجده السيد الوزير في حينه لكون وكيل الوزارة حزبي بعثي ورئيس الشركة مهندس كفوء مستقل لذلك قرر الوزير بنقل المهندس عبد الكريم عباس الى الهيئة العامة للاشراف والمتابعة ليقوم بعمل المدير العام فيها وتنسب نقل المهندس هويدي من شركة الرشيد للمقاولات الى شركة المعتصم للمقاولات للقيام باعمال المدير العام وكالة وعلى الفور ثبت مباشرته في الشركة والتحق في موقع العمل في مدينة الفاو. ومن المفارقات التي حدثت بالنسبة لشركتنا انه في احد الايام وكان يوم جمعة ولدى وصولي الى مقر الشركة حوالي الساعة العاشرة صباحا بادرني مدير المكتب السيد عاصم قزازي (وهو من الاخوة المسيحيين) بأن رئيس الشركة وكالة اتصل من الفاو ويطلب محادثتي لذا جلست في غرفته وطلبت منه ان يوصلني هاتفيا لاعلم ماذا يريد مني. وبعد دقائق اوصلني مدير المكتب برئيس الشركة وكالة وبادرني بالقول بدون مقدمات بان محاسب المشروع السيد عبد الله هارب ويجب عليّ ان اسافر الى الفاو لاحل المشكلة فما كان مني الا ان اتداول مع السيد مدير المشاريع نائب رئيس الشركة واتفقنا ان اذهب الى الفاو بسيارة لاندكروز جديدة منسبة الى مكتب رئيس الشركة بقيادتي في نفس اليوم. لذلك اتصلت بزوجتي هاتفيا ان تهيئ لي طعاما لآخذه معي وبعد حوالي الساعتين قام السائق سعد بـإملاء خزان السيارة وتوجهت بها الى داري بمفردي واخذت الطعام وغادرت منزلي في الساعة الثالثة بعد الظهر فوصلت الى منطقة العزير ونزلت وتناولت الطعام ومن ثم واصلت السير مسرعا وكنت ألاقي في الطريق سيارات الجيش الكبيرة (تريلات) تحمل دبابات محترقة او مدافع محطمة واخيرا وصلت مدينة الفاو بعد الساعة العاشرة ليلا ولدى نزولي من السيارة شاهدت المحاسب عبد الله فقال لي الحمد لله على السلامة فقلت له اين كنت البارحة واليوم فقال لي استاذي كنت مخمورا جدا فأرسلوني الى المستشفى من البيت في البصرة فقامت المستشفى بغسل معدتي وعدت بعد ظهر هذا اليوم. اعود الى موضوع الاعمار وذكرت ان شركتنا تقوم بانشاء ساحة الاحتفالات الكبرى التي هي عبارة عن ساحة كبيرة فيها نافورات مع اقامة ثلاثين عامودا تمثل ذكرى قيام الثورة لعزل كل من ابراهيم الداود وعبد الرزاق النايف وقيام احمد حسن البكر ومجموعته استلام السلطة حينذاك وبقية الاعمال التي ذكرتها سابقا. واود ان اذكر انه في احدى زياراتي للموقع امر وكيل الوزارة جميع منتسبي شركتنا المتواجدين في موقع العمل بالتجمع قرب الكرفانات والجلوس ارضا والقى بنا محاضرة يحث فيها على العمل (لان نقل رئيس الشركة المهندس عبد الكريم عباس اوجد بعض الاحباط لدى منتسبي الشركة لانه كان محبوبا من قبلهم). وهكذا استمر العمل في المدينة ليل نهار وفي ايام العطل والاعياد الدينية وانجزنا العمل قبل المدة المحددة وتم تكريم منتسبي كافة الشركات المساهمة بالعمل وكلها انجزت العمل ضمن المدة المحددة وكان التكريم من قبل الرئاسة وللنخبة منهم بنوط الاستحقاق العالي وكنت انا من ضمنهم.
المشرق
مقالات اخرى للكاتب