0=كان لمدينة المختارة ( جنوب البصرة ) دور دموي واسع النطاق في وادي الرافدين وهي العاصمة المركزية لثورة الزنج الشهيرة التي انطلقت في العصر العباسي الوسيط أيام الخليفة المعتمد , الثورة التي دامت أربعة عشر سنة متواصلة من عام 870 م الى عام 883 م . وتقع المختارة على نهر أبي الخصيب جنوب البصرة في موقع حصين للغاية تحيط بها مساحات واسعة من غابات النخيل الكثيفة التي تتخللها شبكة معقدة من عشرات بل مئات من الانهر الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والاقنية الفرعية المتشابكة التي تتفرع من النهر الأساسي الكبير المسمى حاليا شط العرب . وقد اتى ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ على وصف المختارة , التي كانت مقراً لقائد ثورة الزنج علي بن محمد , وذلك من خلال وصفه لحصارها وسقوطها عام 270 هجري / 883 م بيد القائد العباسي الموفق ويدعى أبو أحمد وهو أخو الخليفة المعتمد .
00 ان هذه المدينة المبنية في قلب غابات النخيل وعلى ضفاف شبكة الانهر المتشعبة هي مقر عسكري حصين كانت تقيم فيه القيادة العامة لثورة الزنج التي انطلقت عام 255 هـ / 870 م ضد الدولة العباسية لذلك فان اهميتها متأتية من كونها المقر الرسمي للقيادة الميدانية التي كانت تقود الهجمات والحروب والمعارك الطاحنة ضد جيش الخلافة العباسي على مدى أربعة عشرة سنة متواصلة تلك الحروب التي كانت تتحول في كثير من الاحيان الى مجازر دموية بشعة تنفذ بأساليب بالغة القسوة والهمجية , وبذلك تحولت المختارة الى بؤرة نشطة لتصدير العنف الدموي الى كثير من المدن والبلدان في كافة الاتجاهات طيلة تلك السنين وقد سقط في فترات من تاريخ تلك الثورة عدد من مدن العراق الهامة بيد الثائرين من بينها مدينة البصرة والاهواز وواسط , حتى كــادت ان تقوض اركان الخلافة العباسية نفسها .
000
واذا تذكرنا ان عدد القتلى الذين سقطوا خلال تلك الثورة وحروبها المتواصلة ضد الدولة العباسية قد بلغ نصف مليون قتيل حسب بعض التقديرات فاننا نستطيع ان نقدر حجم الدور الخطير الذي قامت بها تلك المدينة الصغيرة المختارة كمركز لاشعاع العنف الدموي في بلاد الرافدين ولم يتوقف دور هذه المدينة في اشاع العنف الا بعد سقوطها بيد الجيش العباسي ومقتل قائد الثورة وجميع اركان قيادته وكان سقوط المختارة بحد ذاته ثم احتلالها وابادة المقاتلين الصامدين بداخلها واحدا من احداث العنف الكبرى في تاريخ العراق اذ كانت المعركة من اجل دخولها من اشرس المعارك الدموية في التاريخ العباسي ولعل من الطريف ان نذكر هنا احدى المعارك في احتلال المختارة كانت تدور للسيطرة على نهر كان يسمى في ذلك الوقت باسم ( جريكور ) المتاخم لها وهذا النهر يسمى الان باسم ( جيكور ) وعلى ضفافه تقع قرية جيكور التي ولد فيها الشاعر العراقي بدر شاكر السياب وقد سمي السياب احد دواوينه الشعرية باسم منزل الاقنان اشارة الى العبيد في ثورة الزنج وربما بقيت حتى الان بعض الاثار من اساسات سور المختارة قرب جيكور بعد ان اندثرت اثارها وبنى الفلاحون بيوتهم فوق اساساتها حيث يقول السياب في احدى قصائد الديوان / منازل فانزع الابواب عنها تغدو اطلالا .
مقالات اخرى للكاتب