جعل الله سبحانه وتعالى الدين بشكل عام والدين الاسلامي بشكل خاص مشروع رحمة ونظام استقامة ومقامات للعدالة البشرية والمساواة وتربية تحفظ الروح والنفس والجسد والحالة الاجتماعية وعلاقة الانسان بنفسه و بغيره من كائنات وموجودات. لم يجبر الله البشر على الاستقامة ولكنه توعدهم بعقوبات قاسية ان هم اختاروا الظلال على الهدى. ولم يكلم الله الناس بشكل مباشر ولكنه بعث الانبياء والرسل وجعل العقل معياراً للحقائق والتي اعلاها هي حقيقة وجود الله وجعل كمال العقل حق معرفة الله بشكل متصل مع الاحداث. ومن رحمة الله على البشر انه جعل العقول عاجزة عن معرفة كنه الله لانها لو اعطيت تلك المعرفة لوقع لانسان بين الخوف المطلق الذي لاينسجم مع الحياة وبين العبادة المطلقة التي لاتستقيم معها الحياة. ان الله لو كلم الناس بما فيهم الرسل بشكل مباشر لماتمكنوا من البقاء احياء اذ ان واحدة من اهم ما رحم به الله البشر انه احتجب عنهم مع وجوده معهم لان ظهوره للحواس البشرية معناه ليس موتهم فحسب بل فنائهم وحتى مع افتراض ابقائهم بقدرة الله على قيد الحياة فهم بذلك سوف لن يتمكنوا من فعل شيء لان الخوف سوف يقتلهم ! وفي نفس السياق فأن احتجاب الله عن الخلق مع وجوده معهم هو من اعظم آيات الله في الخلق واعلى درجات الرحمة والعطاء السخي … فلو ضربنا مثلاً ان يتصور احدنا انه كان عدماً ثم صار تراباً لايرى ولايسمع ولاينطق ولايتحرك وجائه احد فبعث فيه الحياة ومنحه الاحاسيس السليمة واعطاه قصراً فيه كافة متطلبات الحياة وفي نفس الوقت لم يظهر له ولم يطالبه باجر .. فكيف سيكون امتنان صاحبنا هذا ممن منحه كل هذه النعم الموجودة على فندق مجاني اسمه كوكب الارض؟!
اذن فأن هدف الله من الدين هو لاسعاد البشر وتوجيههم وهم مخيرون وليسوا مجبرين ولكن البشر تلاعبوا بكل شيء حتى الدين تلاعبوا به وحرفوه وعلى مر العصور يوجهونه لما يريدون ويدخلون فيه ما ليس فيه ويحذفون منه ما لايتلائم مع عاداتهم او تقاليدهم على مر العصور .. اليوم لايوجد احد يمثل الدين لان الدين لاينعكس اشعاعه من البشر مهما كانوا فهو مباديء الهية لايمثلها الا الذين يختارهم الله اذ ان تلك المباديء هي صيغ الهية لايمكن من هب ودب ان يكون مستودع حفظ لها لانها من اثمن الامور فتحتاج الى اوعية ثمينة … فالله جعل هذه النفائس الدينية وجعل لها اوعيتها الخاصة حيث ليس من سنة الله وعدله ان يجعل النفائس دون ان يكون لها مستودع حسب مبدأ (لايمسه الا المطهرون)! المهم هو ان الدين الاسلامي ادخلت فيه خزعبلات ومعتقدات وتم تحريف العديد من مبادئه فاصبح الناس يتمسكون بعادات وتقاليد اجتماعية وقبلية وينسبونها الي الدين حتى صارت مع مرور الزمن تبدو وكأنها ديناً وهي ليست كذلك بينما تم حذف امور منه حتى اصبحت تبدو غريبة عن الدين ولايعمل بمقتضاها … مما نتج عن ذلك تقديس الشخوص وليس الدين واصبح ترك منهج ديني او اكثر اهون من انتقادات توجه لشخص كونه فلان بن فلان او كونه امتهن مهنة الدين او عاش في عصر من العصور المتقدمة منذ زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)! وفي هذا الشأن جاء بعد حرب الجمل رجل الى الامام علي (عليه السلام) واخبره بأنه تردد بينه وبين معسكر طلحة والزبير وعائشة فكيف يكون امثال هؤلاء على باطل؟! فقال له الامام علي (عليه السلام): إنك لمبلوس عليك، إن الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله ! هذه القاعدة العلمية التي قالها الامام علي (عليه السلام) هي قاعدة عالمية يعتمد عليها علم الاجتماع ودراسة التأريخ وتقييم الاحداث الانسانية Beanch Marking بالحق لتعرف اهله وبالباطل لتعرف اهله. الدين ليس بالمظاهر ولبس العمامة والجلباب او التحدث باسم الدين او باسماء الشخوص فكم من امور البسوها علينا وهي ليست من رداء الدين …. مجتمعات كاملة مسخت باسم الدين مسخاً ولازالت … ادخلوا الدين في انفاس الناس وحركاتهم وتوجهاتهم واعمالهم بشكل خاطيء بل وبارادات شخوص وافراد امتهنت الدين وهي بعيدة عنه … الدين ليس تقديس للاشخاص بل هو تقديس لله فقط ومن اختارهم الله وهؤلاء معروفون ومعدودون واما غيرهم فاقوالهم وتصرفاتهم وسلوكهم يدخل ضمن معايير اي احد من البشر. ذلك ينطبق على الاشخاص وعلى الاحزاب الدينية التي انتشرت في الاعوام السابقة كغيرها من الاحزاب علماً بان هذه الاحزاب ايضاً استغلت الدين لكي تتسلق على اكتاف الناس وتخدعهم باسم الدين وكلها باطلة فاسدة … حروب شنت باسم الدين قتل فيها الالاف ودمرت بلدان بينما وزع فيها معممون مفاتيح الجنة لشباب بعمر الورود تم قتلهم كما هم قتلوا اقرانهم من المسلمين … هل هذا هو الدين ؟ وهل يستحق اصحاب تلك الحروب التقديس ام ان الله سوف يحاسبهم على كل قطرة دم سالت ونفس قتلت ؟ ليس هذا ولا قطع الرؤوس وسبي النساء وهتك الاعراض واجبار الناس على افكار بالية وخزعبلات واهية وسطحية منشأها غياب العقل وتغييبه ..
وكعادة البشر دوماً ولكي يتم ايجاد الاعذار لبعض الممارسات تم الكذب اما على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) او حتى على الله فادخلت الاحاديث او فسرت الايات او كتب التأريخ بشكل يوفر الاعذار لتلك الممارسات. ولكي لايتم التساؤل عن تلك الامور والارهاصات الكاذبة تم تعطيل العقل مما اعطى قوة اكبر ومجال اوسع لادخال المزيد مما ليس هو من الدين في حين اخرج منه الكثير لانه لايتماشى مع مصالح الافراد والجماعات…
الدين هو مجموعة مباديء مرنة لكي تلائم كل عصر ليس بمعنى انها تتغير مع الزمن ولكن يمكن جعلها بما فيها من مناهج تلائم العصر والبيئة دون ادخال او اخراج شيء من قيمتها الحسية والمادية … وعلى هذا الاساس فانه اذا اصيب الدين بالتصلب والتعنت اي عدم المرونة اصبح عالة وتخلفاً وظلالاً وفتن وكراهية وقتل كما نراه اليوم …
ان تفسير الدين من قبل اشخاص هم ليسوا اولئك المطهرون الذين اختصهم مبدأ (لايمسه الا المطهرون) اوجد هذه الفتن والتخبط والظلام ولايوجد اليوم اي شخص مهما كان يعتبر معيار حقيقي للدين او لمعرفة الحق Beanch marking للحق كما قال الامام علي (عليه السلام). لقد تبدل الزمن حيث ان الزمن الذي كانت تخفى فيه الحقائق ولى ونحن نعيش في زمن لايمكن فيه اخفاء الحقائق مما يجعل مهمة اولئك الذين دلسوا او البسوا علينا ما ليس من الدين من عادات وتقاليد اجتماعية وعشائرية وقبلية بالية ومتخلفة وجعلوها من الدين اصبح هذا الزمن يجعل مهمتهم عسيرة بل ومستحلية لان سبل المعرفة صارت متوفرة لكل واحد يريد الاطلاع والاستنتاج .. المعيار Beanch Marking هو الحق والباطل وهذا ملبوس عليه في التاريخ كله وملبوس عليه في احاديث دست على النبي ولايوجد من يستطيع ان يعطي تفسيراً للقران يتماشى مع مبدأ (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) في هذا الوقت خاصة وان القران اذا فهم بشكل سطحي فانه يؤدي للفتن كما نرى … وعليه فانه يجب الابتعاد عن الفتن وما يثير القتل بين البشر لان الفتنة اشد من القتل نفسه … حتى يأتي الله بامره و للبيت رباً يحميه … ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا … أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين … انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر … ولا اكراه في الدين … انما علينا حسابهم .. وما انت عليهم بوكيل .. وما انت عليهم بمسيطر … انك لن تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء ان يهتدي …
مقالات اخرى للكاتب