ورد في مقال للإستاذ عبد الصاحب الناصر، من أن الإرهاب صناعة بعثية بامتياز ، وأنه مارسه منذ تولى السلطة في العراق سنة 1963 ولغاية سقوطه في 2003 ... وهذه حقيقة لاتحتاج إلى كثير جهد للتأكد منها ، لكن الذي يشكر عليه الكاتب هو أنه يريد أن يبين حقيقة سبق وأن طرحتها أنا بقوة منذ سنة 2006 من خلال الفضائيات ومن خلال الكثير من المقالات وهو أن ما يحصل من جرائم في طول العراق وعرضه من تفجيرات واغتيالات وعبوات وغيرها هو صناعة بعثية خالصة ، وإذا كانت ثمة أطراف أخرى حاقدة وتشترك في عدائها للشعب العراقي كالقاعدة وأمثالها فإن دور تلك الأطراف لا يعدو أن يكون ثانويا مساندا . لكن الذي يثير الاستغراب ويدعو إلى التساؤل ، لماذا يصر إعلامنا الحكومي بل وحتى إعلام الكتل السياسية وبعض القنوات المستقلة ، يصر الجميع على أن يضعوا مسؤولية ما يحصل من جرائم على ( القاعدة حصراً ) وإذا ما ورد اسم البعث بعد كل جريمة فإنه يرد خجولاً مترددا ، وهذا ما لمسناه أيضا حتى في خطابات كبار المسؤولين وخاصة منتسبي حزب الدعوة وعلى رأسهم المالكي ورموز حزبه . فلماذا إذن تغمض العيون عن الفاعل الحقيقي لكل الجرائم ، ولماذا هذا التعمد على تعليق كل تلك الجرائم الدموية على مشجب القاعدة ؟ أنا أرى ثمة سبب وجيه لدى حكومة المالكي وحزبه في إبعاد تلك الجرائم عن حزب البعث أو أن يحمل جزء يسير من المسؤولية كما هو معروف في إعلام حزب الدعوة وحكومته ، والسبب هو أن هناك انفتاح كبير من قبل المالكي وحزبه على عناصر البعث بعد أن ادرك المالكي وحزبه أنه ليس في وسعه إدارة الدولة من غير الاستعانه بأصحاب الخبرة من البعثيين ، ولذلك فقد عمد المالكي فعلاً إلى حشو أغلب وزاراته المدنية والعسكرية بالبعثيين بغض النظر عن ماضيهم ( المشؤوم ) الحافل بالدماء ، بل أن تلك العناصر المجرمة قد وجدت لها مواقع مهمة حتى في مكتبه والدوائر الحساسة المحيطة به ، ثم أن المالكي لم يكتف بفعل ذلك وحسب وأنما راح يصدر الأوامر الديوانية بتكريم منتسبي أقبح الدوائر البعثية كما حصل مؤخرا في إصدار أوامر بمنح فدائيي صدام رواتب تقاعدية ... لقد أعاد المالكي تقريبا كل البعثيين إلى أماكن تواجدهم الوظيفي قبل سقوط النظام السابق ، إلى الدرجة التي أصبح معها قرار بريمر الداعي إلى حل وزارتي الدفاع ووزارة الداخلية قرار ( لا رائحة له أو طعم ) بل أن الهدف الذي كان يتوخاه بريمر من قرار حل تلك الوزارات وهو إبعاد العثيين المتمرسين في قتل الشعب العراقي أو أؤلئك الذين ( أشربوا في قلوبهم ) عجل البعث ، ذلك القرار قد أفرغ من مضمونه على يد ( حزب الدعوة ) وأمينه عندما فتح باب الوزارات على مصاريعها لتحتضن المبعدين من جديد . وبعد ذلك على كل الشرفاء أن لا يستغربوا من عودة طاحونة القتل البعثية من جديد وبالشكل التي نراها في كل يوم ، لأن البعثيين عادوا إلى مفاصل الدولة بشكل أكثر قوة ومنعة ، وهم الآن قد شكلوا خارطة محكمة لتحرك الإرهابيين وما عاد ثمة من موانع لوصول السيارات المفخخة إلى أي مكان من العاصمة ، طالما أن المفارز ونقاط التفتيش هي حافلة بوجود البعثيين ، وأن قيادات تلك العناصر حاضرة لتسهيل تواجد تلك العناصر في الأماكن التي تسهل تنقل الإرهابيين . وفق تلك المعطيات فإن الحكومة العراقية تشارك بشكل فعال في دوران عجلة القتل وسفك دماء الأبرياء ، بعد أن أصبح واضحا أن عودة البعثيين إلى وزارة الدفاع والداخلية وبأعداد غفيرة يشكل السبب الرئيسي في تفاقم الأمر ، وبالشكل الذي لم يعد في وسع الحكومة أن تغير من الواقع ، إذ ليس في مقدورها أيضا أن تعيد غربلة الوجود البعثي في الوزارات الأمنية ، لعدم وجود أدلة دامغة تدين المشاركين أو الذين يقدمون التسهيلات في عملية تنقل السيارات المفخخة ، ناهيك من أن تلك العناصر البعثية قد اكتسبت خبرة جديدة من خلال تواجدها الحالي ، أضافتها لخبراتها التي اكتسبتها عنما كانت تمارس البطش والأرهاب في زمن النظام السابق . إن حب السلطة لدى المالكي والدوائر المحيطة به أدخلت الشعب العراقي في دوامة يصعب الخروج منها ، والمشكلة أن المالكي لم يعد يفكر في مغادرة منصبه لأي ظرف من الظروف وهو يرى عمليات الفساد المالي وسرقات المال العام التي تعرض من قبل بعض الفضائيات وتشير بشكل واضح إلى شخصه والمحيطين به من حزبه والمؤتلفين معه ، لأنه يرى في التخلي عن السلطة هو التخلي عن الحصانة التي تبعده عن دوائر القضاء ومحاسبة الشعب العراقي له ، سواء على الملف الأمني الذي فشل في إدارته وكلف الشعب الآلاف من الضحايا أو ملف الفساد وسرقة المال العام الذي لا يقل في أهميته وخطورته على حزب الدعوة وأمينه من الفشل في الملف الأمني . نحن نرى أن على الشعب العراقي أن يتحرك وأن يكسر صمته الذي يكلفه في كل يوم المئات من الأرواح ، كما يكلفه مئات الملايين من الدولارات من أمواله ، وأن بقاء الشعب العراقي في دائرة الصمت غير المبرر يعني عليه أنه يستعد لتلقي الكثير من الضربات الموجعة ، ولا يستبعد أن موازين القوى في داخل العراق سوف تتغيير لصالح أعداء شعبنا المظلوم . كما أدعو من الإعلام العراقي الحر أن يتخلى عن تمسكه بحقيقة أن من يدير ملف عجلة الموت هو القاعدة ، إن هذه الكذبة الكبرى لم تعد خافية على العقلاء ، لأن ملف عجلة الموت في العراق يدار من قبل حزب البعث وعناصره في دوائر الدولة وبمباركة من كبار السياسيين المشاركين في العملية السياسية والذين يشرفون ويديرون عمليات التمويل وعمليات التوسط بين الحكومات الممولة كالسعودية وقطر وتركيا وغيرها وبين البعث في الداخل . فالشعب العراقي يريد أن يعرف الحقيقة ويريد أن يتعرف على الجهة التي تمارس بحقة القتل ، وليس من صالح المالكي أن يتعرف الشعب العراقي على تلك الحقائق لأنها تضر بمصالحه وبمستقبل وجوده السياسي ، ولذا فإن هذه المسؤولية تقع على عاتق الأحرار والمخلصين من الإعلاميين وعلى الشرفاء ممن يهمهم حقن دماء الأبرياء .
مقالات اخرى للكاتب