لدينا فهم اعور للديمقراطية. نفهمها انها ورقة في صندوق انتخابي. عملية تنظيمية ومراكز اقتراع. مفوضية عليا للانتخابات. بشر يسيرون على اقدامهم زرافات ووحدانا كي يصوتوا لهذا او ذاك.
بالنهاية الفوز لمَن يجمع اكبر لحم بشري وراءه. حكم الاغلبية او الاكثرية، هكذا تُعرّف الديمقراطية عندنا
بالحقيقة هذا فهم قاصر. الديمقراطية ليست وصفة طعام مُبسّطة تُضاف اليها قليل من السلطات والخضر دون ان تُطبخ على نار هادئة. ابداً، هذا تسطيح مُجحف للمصطلح. هناك جملة من المقدّمات يجب استحضارها قبل اطلاق نعت الديمقراطية على اي ممارسة ما. الديمقراطية هي مؤسسات مجتمع مدني، فضاء اعلامي حر، قوى سياسية معارضة، قضاء عادل، استقلالية مؤسسات، دستور مقبول، تعددية فكرية، حقوق اقليات، ثقافة واطلاع على قواعد اللعبة الديمقراطية، واخيراً وعي الجمهور. اذ لا تصح الممارسة الانتخابية وحدها او رمي الورقات داخل صناديق الاقتراع ان تكون ديمقراطية مالم تتوفر الشروط التي ذكرناها اعلاه.
ما يجري اليوم في بلداننا العربية ليست ديمقراطية، بل عملية اقتراع شعبوية وانعكاس ديموغرافي للطائفة او القومية او الدين. الطائفة الاكثر عدداً تفوز وتعتبرها ارادة ديمقراطية، فيما الاقلية تحاول بشدة الحفاظ على مساحة وجودها من خلال التركيز على خطاب ضمان حقوق الاقليات واللعب على وتر الاكثرية السياسية لا الاغلبية العددية التي لطالما تكون في غير صالح طائفتها.
التناقض واضح والازدواجية اوضح في الخطاب "الديمقراطي" للطوائف. فبينما يقول حزب الله في لبنان "ان هذا البلد لا يُحكم بمنطق الاكثرية والاقلية، بل بالتوافق بين المكوّنات"، هناك ايضاً الكتلة "السنية" في العراق تقول بهذا الاتجاه، بل تدعو لاكثر من ذلك وتقول لابد من تقسيم الوزارات والمؤسسات بالتوافق بين مكوّنات البلد الواحد، والتوافق هو التفسير اللطيف للمحاصصة.
الاكثرية اللبنانية "السنية" سعيدة بالديمقراطية وتلتصق بالمفهوم الهامشي لها لانها الاغلبية المستفيدة من هذا المفهوم، فيما الاكثرية العراقية "الشيعية" لا تتوقع تفسيراً آخراً للديمقراطية غير انها "حكم الاغلبية". الاكثريتان اللبنانية والعراقية اكثرية طائفية لا تكترث لاي تعريف آخر للديمقراطية غير تعريف "حكم الاغلبية"، بينما تتبادل المراكز والمواقف فيما بينها حين تتبادل الاحجام والاعداد في كلا البلدين، فتصبح حينها مُنادية بضمان حقوق الاقليات والعمل وفق آليات التوافق فقط.
ثمّة معيار طائفي في فهم الديمقراطية بالنهاية، وليس من السهل تجاوز هذا المعنى مالم نعمل سويةً على اعادة تقييم البنية السياسية في مجتمعنا الشرق اوسطي وتشكيل مفاهيم سياسية جديدة بديلة عن مفاهيم وتفسيرات "الطائفة".
لنضع التعريف الصحيح للمصطلح ونمشي مع الديمقراطية على انها اكثرية سياسية حاكمة في بلد تعددي مُتسامح مع الاقليات لا ناطق باسم الطوائف والقوميات، وبغياب الحزب الوطني (الحزب المُخترق للطوائف) لا توجد ديمقراطية حقيقية، بل يوجد تمثيل رقمي للطائفة في برلمان فئوي مُنقسم على ذاته وغير مُنسجم مع الاطار العام للدولة الوطنية المُوحّدة.
مقالات اخرى للكاتب