الم الفواجع لا يختلف عند بني البشر أجمعين ، وان تنوعت أسبابها ، وكذلك فراق الاحبة والاصدقاء ، فاجعة طوز خورماتو هي امتداد لمواجعها المتتالية التي يحاول بها المجرمون من تعكير صفو تعايشها المشترك بين مكوناتها القومية والدينية ، لست أدري ما الذي تريده هذه القوى المتطرفة من هذه المدينة ..؟؟ وما هي اسبابها ..؟؟ بل وما هي اهدافها ..؟؟
بالعودة لفصول التاريخ لهذه المدينة نجدها حيث كانت نموذجا رائعا للتعايش رغم كل محاولات الانظمة الشوفينية التي حاولت مرارا وتكرارا بزرع الفرقة والفتن بين مكوناتها المتجانسة ، واخرها قطع صلة رحمها بكركوك ، وانتزاع صفتها الشرعية من قبل النظام البائد ، واضافتها ظلما لتكريت ، وتعريبها واسقاط هوية ابناءها من الكورد والتركمان وترحيلهم باشع حملة شنها حكم البعث المقبور بهدف اقامة سياج أمني احترازي حول مدينة كركوك التي عانت هي الأخر ولا تزال من تلك المعضلة الشوفينية المقيتة ، الا ان البعث المقبور فشل في ذلك بسبب اصرار اهلها على البقاء واختيارهم للتعايش المشترك ، واليوم في ظل غياب معالم الدولة القوية والقادرة على حماية امن مواطنيها ، عادت تلك المحاولات بثوب اخطر لتحصد هذه المرة ارواح الناس املا بفتنة ونزاع دموي بين مكوناتها القومية والدينية والمذهبية لتحقيق مآربهم ونواياهم الشريرة في المدينة ، بدليل الاعمال الارهابية الاخيرة التي نفذت في المناطق الكوردية والتركمانية على حد سواء ، وهذا يعني ان العقلية الشريرة التي تخطط للإرهاب في طوز هي نفس العقلية التي ارادت خلال فترة النظام ان تفصل هذين التؤامين عن بعضهما ، ولكنها فشلت ايضا وستفشل بلا شك بسبب الروحية الانسانية والاجتماعية التي جمعت الاطياف كلها تحت سقف التعايش والثقافة المشتركة ...
وما يحدث الان في طوز ليست سوى بمؤامرة ، والضرب بآلة حادة على صلابة عمق تواصلها الاجتماعي والثقافي وقتله مع سبق الاصرار على اسس الطائفية ، ولهذا نجد ان شخوصها يسعون باستمرار باتجاه ما تحقق المؤامرة من اغراضها السياسية ، وهم الهدامون للنبرة الوطنية والانسانية كرغبة وممارسة في الهدم والتخريب ، و الذين لا يمكن التصديق بما يطرحونه ويقولونه بشأن حماية المكون التركماني من رجس الارهاب ، والذي لا يمكن الا ان تكون بداية لنشر الاحقاد والكراهية ، فهم مهما تبجحوا بتضامنهم مع التركمان في محنتهم ليسوا بصادقين ، لان الهدف من الضجيج واضح ، وهو فرض أفكارهم على المكون التركماني ، وتفكيك نسيجه الاجتماعي مع باقي مكونات هذه المدينة ، وابعاد روحية تواصله مع الاطياف الاخرى ، بدليل ان ان الوفد الحكومي الذي زار طوز امتنع عن لقاء رموز الكورد والتركمان ، والاستماع الى حقائق الاوضاع السائدة هناك ، مما ترك انطباعا واضحا لدى الكورد والتركمان بان مهمة الوفد هي واضحة ، وهي شراء ذمم داخل مكون التركماني الشيعي لتشكيل فوج صحوات على اساس مذهبي ، باعتبار ان الاغلبية التركمانية في الطوز هم من الشيعة ، وانه بالامكان الاعتماد عليهم ليكونوا اداة ضغط مباشر على قوة المكونات الاخرى اذا تطلب الأمر الى ذلك......
ومن هنا بدت الصورة وهي واضحة اكثر مما ينبغي ، فالشيعة التركمان مستهدفون من القاعدة بمستوى استهداف التركمان السنة الذين ينقسمون على عدة محاور فكرية مختلفة ، والفارق بينهما هي وحدة الفكر الشيعي الذي يؤهله ان يكون ندا قويا للتنظيمات المعادية التي تستهدف التركمان بعد ان لملمت تلك المجاميع شتاتها في جنوب وغرب كركوك ، و اعادت من صلاتها مع التنظيمات ذات الطابع السلفي هناك لشن المزيد من الهجمات في كركوك والمناطق المحيطة بها ، وبما ان طوز ذات الطابع الشيعي التركماني فانها من اسلم المناطق التي يمكن للشيعة ان تجعل منها ساترا دفاعيا للشيعة عموما في كركوك ، وان اغتيال نائب رئيس الجبهة التركمانية علي هاشم مختار اوغلو كان فرصة للشيعة عموما وللتيار الصدري خصوصا ان تكون على مقربة من طبيعة الاحداث هناك ، والذي سيكون له بلا شك كلمة الفصل في شأن التركمان الشيعة في المدينة بعد اتمام عملية تشكيل صحوات المزمع تشكيلها خلال الايام القليلة القادمة ، والتي من المتوقع ان تكون سببا في اتساع رقعة الخلافات السياسية فيها ، في وقت والكورد هناك يشكلون قوة سياسية من الخطأ عدم ادراجها في الحسابات السياسية والميدانية ....
وعلى هذا الاساس نعتقد ان طوز مقبلة على فوضى سياسية ،في ظل المستجدات التي طرأت عقب العملية الارهابية البشعة التي استهدف نائب رئيس الجبهة التركمانية العراقية ، وفي ظل ظروف بالغة التعقيد نتيجة لتنامي قوة الارهاب وقدرتها على الحركة في مدينة كانت حتى الامس القريب خالية تماما من كل انواع التوتر القومي والمذهبي ....
مقالات اخرى للكاتب