وجاء العيد.. لم يكن فيه جديد، بل رقم على ساعة السنة بليد.. مرَّ على الكبار بلا فرح وعلى الصغار بلا مرح.. عيدئذٍ قرأ ابن سيَّا تاريخ موته وأسباب فوته على شاهدةٍ وما أكثر شواهده..
قال: " أدركتُ العيد (أيام زمان) عيداً.. رأيته بأمِّ عيني وعشته بأب مشاعري ... حينذاك كان العيد موجودا وشاهدا ومشهودا.. يأتي باسماً يفتر عن ثغور الجميع وسعيداً ينفرج عن صدور الكل، وكأني به أنساً وسعادة يعصف عصفاً بالناس كبارا متصابين وصغارا حالمين.. وله عسل لذة ينتهي بانتهاء ايامه، ولكن يبقى طعم تلك اللذة في الافواه والارواح والعقول الى العيد القادم.
مستطرداً:" فكان العيد يُفرح الصغير والكبير حتى وقعت حرب إيران وعم الموت مدننا. لقد غطى صراخ النائحات وأنين الثكالى على صوت العيد فتقلص ونكص وبحَّ وكحَّ حتى سكت.. فصار عيد حضور لا عيد حبور، يفرح به الصغير الغافل دون الكبير الواعي".
لقد بدأ صدام عملية استئصال العيد من الشعب ولكنه لم يتمَّها.. فلا تزال وشائج حب وعلائق عوالق.. وبدا العيد في مجمل مظاهره كبطل هزم غير انه لم يفقد كل جمهوره، فعليه بعض رهان وبقية أمان.. كان ابن سيا يقرأ في العمق بتتبع ما جرى وما استتبع..
" بعد أن انزاح صدام وراح – وكنا نظن للعيد عودة وللسعادة ردة- ما رأينا أي ارتياح، والعيد ظلَّ ظِلالا وازداد ضَلالا، وصار يعيد من ملالته ما يعيد. وعيداً فعيداً تركه الصغار. ثم طرده كل دار، فولى دون أن يدرى له قرار.. فاكتفوا به عطلة للنوم، وذكرى للفرح المفقود، وعرفاً من الاعراف الديناصورية.
طالع ابن سيَّا العيد والمعيِّدين بعد عشر سنين بلا صدام اللعين، فوجد العيد محض كمين من قتلة العراقيين، ومهرب من مآسيهم المستمرة واحزانهم المتراكمة. خلت الساحات من الناس، والدور من الإيناس، والنفوس من الاستئناس، خوفاً من الموت وطلباً للفوت ولو الى حين.. فلم تعد في العيد قطرة عيد، وصار العيد لا يعيد ولا يزيد...
اذاً قتلت السياسة العيد والفرحة والحياة والسعادة والعيش أو قتلت الدنيا كلها في العراق؛ لأنها ترى في العيد رِدَّة الى البراءة والانسانية التي تحرص عبر اجيال سياسييها على اسئصالها، لستبدل لغة الحب والتواصل والخير بلغة الحقد والتناحر والشر. ومشى برنامجها حين توقف أشخاصها في محطاتهم المخصصة أو المخططة لهم.. يقتلون أعياده ويمنعون السعادة !!
وأضاف ابن سيا آخر مفقودات العيد بأسف " لقد فقدت حتى (العيدية)! تركها الكبار ونسيها الصغار.. ولم يبق إلا تبادل التهاني كلمات بلا معانِ، والشعوب بكل صعيد تمارس العيد وتلبس الجديد.. فأطلقها آهة تطلق آهة:
أصبح العيد تهاني واحتضارات أماني
نُسي الفرحُ فما تلفَــــــــــى سوى ضحكاتِ عاني
إنه جدُّ كئيبٍ وبعيدٍ غير داني
إنه فرصة نومٍ من هموم، وتواني
أيُّ غربانٍ بنت بالليــــــــــــــــــل أحزانَ المكان
أيُّ عيدٍ في بلادٍ باحتلالٍ وهوانِ
قتلوهُ في كبارٍ فتمشى للدواني
ليته أفرَحَ طفلاً أيتموهُ.. لثواني
بل رأيتُ العيدَ في العيــــــــــــــدِ كئيباً ويعاني..
مقالات اخرى للكاتب